الكلمة لها تأثير السحر على المتلقي حين تخاطب المشاعر، كما لها تأثير كبيرعلى النتائج، ولكن ماذا لو أننا لم ننتبه لذلك، فبماذا نخاطر؟ قد يُقتل حماس، يُحطم أمل، تُزلزل الثقة بالنفس، وتُحول الشخصية إلى انقيادية، أنا لا ألغي هنا تأثيرها في نشر الأمل، خلق الدافعية، تشكيل الرؤية والمساهمة في توضيح رسالة الفرد في الحياة، أو حتى العمل على تفعيل التفكير الإيجابي، ولكن تأثيرها حين تستخدم للبرمجة من أجل مآرب خاصة خطر وعليه وجب التحذير هنا.
نحن نعلم بأن هنالك من يستخدم الكلمات من أجل أن يتحكم بتفكيرنا ومشاعرنا ويزرع في نفوسنا ما يريد أن نتبعه دون مساءلة أو مراجعة، لكن ما الوسيلة التي تتبع برأيكم؟ عدا عن قوة الصورة إن وجدت، الكلمة هنا لها دور كبير، دعونا نبحث في السبل التي تمكن الكلمات من أن يكون لها ذاك التأثير. نحن نعرف أن لكل كلمة تعريفين، الدلالي والتلميحي، الأول هو المعنى المعروف لدى الجميع أو المدرج في القاموس، والثاني هو الذي يستحضر من خلاله الذهن استجابة خاصة حين سماع أو قراءة الكلمة، المهم هنا أن المعنى التلميحي للكلمة يمكن أن يكون ذا محتوى عاطفي قوي بحيث نجد أن استجابة المتلقي تنحى للمعنى العاطفي وعليه يتم التفاعل معها من هذا المنطلق بدلا من الاستجابة فكريا، وهذا بالضبط ما يعتمد عليه هؤلاء من خلال معرفتهم الدقيقة بالخلفية الثقافية للجمهور المستهدف سواء كان فردا أو جماعة ومن خلال الدراسة والتحليل أو المعايشة اليومية، وينجحون في غالبية الأحيان، لأنه من الصعب مجادلة النفس البشرية منطقيا حين تكون تحت تأثير العواطف. حينها ستجد أنها لن تصغي لأي منطق، وهكذا فإنهم حين يتمكنون من تسيير الجمهور بحيث يتفق مع وجهة نظرهم على المستوى العاطفي، لا ينفع أي مجهود لإقناع المتلقي بغير ذلك على مستوى المنطق. سأعطيكم أمثلة:
حين يكون أحدهم واقعا تحت تأثير شخصية ما في حياته قيادية كانت أم عادية، مهما حاولت أن تبين له مخاطر أو زلات هذه الشخصية، لن يراها أو حتى يصغي إليك، قد يسمعك ولكن عقله وفكره في حالة تخدير، وقد يحاربك وبكل شراسة، وكيف تمكنت هذه الشخصية منه؟ بالكلمات، خاصة التي تخاطب المشاعر: لا تقرٍأ كتب ذاك المضلل حتى لا تحيد عن الطريق "الصحيح" أو "الحق"، لا تستمع لخطب فلان "المتشدد" كي لا يشدك لعالم "التزمت" أو "الانغلاق"، لا تشاهد ذاك "المهرج" فتضيع في عالمه الخالي من "الأخلاق" أو "الواقعية"، إن كنت تريد "الحقيقة" فلن تجدها سوى عندي، "السعادة، الخير، الجمال، القبح، الشقاء، العدالة، العقاب، الانتماء" وغيرها الكثير من الكلمات التي لها مدلولها الخاص لدى المتلقي وتخاطب المشاعر، وعليه تجد كل فئة تستخدم كل ما لديها من مخزون هذه النوعية من الكلمات من أجل سحبه لجهتها. ما أريده هو لفت النظر لنقطة هامة وهي أننا حين نصغي أو نقرأ يجب أن ننتبه لهذه الكلمات أو على الأقل ندرك ما وراءها من تأثيرات، كي لا نبتعد عن التركيز على الحجة والدليل وبالتالي نعطي العقل والمنطق فرصة للعمل خارج إطار المشاعر، من أجل أن نتخذ القرار وبكل موضوعية. قد نخطئ ولكننا نتعلم من أخطائنا وقد نصيب ونستفيد، ولكن الأهم أن القرار كان نابعا منا نحن وليس من تأثير الغير.