يؤكد نائب رئيس الجمهورية السورية الأسبق لشؤون الأمن الدكتور رفعت الأسد على أن سحب المملكة لمراقبيها إنما يتسق تماما مع ما هو معروف عنها بأخذها بزمام الأمور بحزم وجرأة حينما يتعلق الأمر بضرورة مواجهة مواقف عربية صعبة أو انتهاكات تقع على أي شعب من الشعوب العربية. واعتبر أن مبادرة الجامعة العربية الأخيرة أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح حتى يبقى الحل عربيا وبرعاية دولية، داعيا الرئيس السوري بشار الأسد للتروي وأخذ الأمور بعين العقل" فالتنحي لا مفر منه حتى تهدأ الأمور في سورية وتبدأ مرحلة جديدة، فالأمور قد وصلت إلى مرحلة جد صعبة وشائكة ولا مجال للعودة".

ودعا رفعت الأسد، الذي أسس في باريس نهايات شهر نوفمبر من العام الماضي، تشكيلا معارضا يحمل اسم "المجلس الوطني الديموقراطي"، ابن أخيه الرئيس بشار إلى ضرورة التنحي، وإلى تشكيل تحالف عربي ـ دولي يقوم بصفة المفاوض مع الرئيس الأسد على صفقة للتنحي يحصل من خلالها هو وكافة أقاربه على الضمانات اللازمة لأمنهم وحمايتهم. ولم تقتصر المبادرة على هذين الأمرين بل دعت إلى تشكيل مجلس أو هيئة يتمثل فيها وتستلم السلطة في دمشق ولو لفترة انتقالية لتأمن البلاد شر الحرب الأهلية.

وحول الأزمة السورية وأسبابها وتصور الخروج منها وكيفية رؤية مستقبل سورية وإلى أين ستنتهي الأفكار البعثية وغيرها من المحاور كان لنا هذا الحوار مع رفعت الأسد السياسي والمعارض وأحد أهم أقطاب الطائفة العلوية:

لا مزايدة من السعودية

هل ترون أن سحب المملكة لمراقبيها كان أمرا ضروريا؟

كان أمرا ضروريا بالنسبة للمملكة التي أعلنت أنها لا ترغب أن تكون طرفا في تزوير الحقائق في التاريخ. وكان أمرا هاما من أجل تطور المواقف العربية تجاه الأزمة السورية الحالية. وهو ما حدث بالفعل. وبشكل عام فإن موقف المملكة لم يكن به أي مزايدة على أي طرف عربي، بل على العكس تماما هو موقف قطع الطريق على بعض من يريدون التدويل عسكريا، بشكل يصب في صالح العرب جميعهم. ومثل هذه المواقف تؤكد ما نعرفه جميعا عن خادم الحرمين الشريفين من حرصه على العدالة وعدم إراقة الدماء والرغبة في حل المشاكل العربية عربيا وأنه يجب عمل الكثير من أجل ذلك. لقد كانت خطوة المملكة خطوة مفاجئة لكنها حاسمة للعديد من المواقف المتأرجحة، كما أنها قد أشارت بما لا يدع مجالا الشك إلى دعمها لمطالب الشعب السوري بالتغيير. سواء فيما يخص سحب المراقبين أو ما ترتب على الموقف السعودي من الإعلان عن المبادرة العربية جميعها تعني أن المملكة تعلن أن الجامعة العربية تنتهج نهجا جديدا، وأنها ليست عاجزة ولا تقوم بأي تسويف تجاه مصائر الشعوب العربية.

هل توافقون على المبادرة العربية الأخيرة فيما يخص تسليم الرئيس السوري صلاحياته لنائبه وتكوين مجلس وحدة وطنية؟

هذه المبادرة قد أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح حتى يبقى الحل عربيا وبرعاية دولية. إنها خطوة متقدمة في اتجاه حل الملف السوري، وتتسق تماما مع ما أنادي به، ففي نهايات شهر نوفمبر الماضي طرحت مبادرتي التي لا تختلف عن هذه المبادرة في إطارها العام، والتي تقضي بتنحي الرئيس بشار ومنحه الضمانات اللازمة هو وأسرته برعاية عربية دولية، وتكوين مجلس وحدة وطنية. وحينما طرحت فكرة وجودي في المجلس فهذا لم يكن سعيا لسلطة على الإطلاق بل من أجل أغراض أخرى تحمي سورية من الفتنة والطائفية.

بطبيعة الحال المبادرة العربية قد نقلت الملف إلى ما بعد بشار الأسد، كما أنها تعيد التوازن الإقليمي في المنطقة.

أما فيما يخص رفض سورية للمبادرة فهذا أمر أدعو الرئيس السوري للتروي فيه وأخذ الأمور بعين العقل، فالتنحي لا مفر منه حتى تهدأ الأمور في سورية وتبدأ مرحلة جديدة، فالأمور قد وصلت إلى مرحلة جد صعبة وشائكة ولا مجال للعودة.

مسؤولية من؟

هل حزب البعث مسؤول عن كافة الأخطاء التي نرى نتائجها الآن في الشارع السوري الغاضب؟

حتى هذه اللحظة أنا مازلت رئيس المحكمة القومية لحزب البعث. وهذه هي الجهة الوحيدة القادرة على فصل من تريد، وإذا ما فصلته فعليه أن يترك السلطة فورا. فما يحدث في سورية أن الشخص يتعاطى مع السلطة أو يوضع في السلطة أو يتقدم فيها على أساس بعثي. فرئيس الجمهورية في سورية يجري عليه استفتاء وليس انتخابات كما يطلق عليها. مسألة الفصل تأتي حينما يخرج الشخص عن الخط النظري لحزب البعث. بالنسبة لي حينما وجدت أن الخط النظري غير موجود أو لا يصلح أن يكون وعاء للممارسة تركت الحزب.

بالطبع يتحمل حزب البعث والنظام منذ عقود كافة الأخطاء التي حدثت وتحدث حتى الآن. نحن أمام انفجار نتيجة تراكم هذه الأخطاء. أما فيما يخص النظام الحالي فأخطاؤه جميعها نتيجة عدم الخبرة وقلة الدراية، وهذا شيء طبيعي، فلا يعقل أن نأتي بأي شخص أيا كان مباشرة من الجامعة إلى كرسي الحكم ونتصور أنه سوف يجيد هذا، لهذا لا أتصور أن الشعب السوري يمكن أن يطالب بمحاكمة بشار فلا يوجد أي إنسان على وجه الأرض حوكم من أجل قلة الخبرة.

كنت ضحية الإعلام

يرى الكثيرون أنكم قمتم أثناء توليكم قيادة سرايا الدفاع باقتراف أخطاء إنسانية، ما ردك؟ ولو عاد التاريخ فكيف لك أن تتجنب مثل هذه الاتهامات؟

لقد قمت بالرد على هذا الموضوع كثيرا من قبل. الحقيقة أن إعلامنا العربي مع الأسف شغوف بالإثارة ولا يبحث عن الحقيقة. إن همه الوحيد التأكيد على معلومات مغلوطة والتضخيم في الأرقام واستضافة القادرين على إنعاش الإثارة فقط لا غير، وهذا كله خطأ في واقع الأمر. إن على الإعلام البحث عن الحقيقة أينما كانت، وحينها سوف يكون السؤال مختلفا عما هو مطروح الآن.

منذ فترة طويلة وأنتم تعتزلون العمل السياسي، فلماذا هذه العودة المفاجئة للمشاركة؟

أنا لم أقرر المشاركة بمعنى المشاركة، بل قررت المبادرة، وهناك فارق كبير بين المبادرة والمشاركة. لست من الذين يميلون إلى هذه المشاركة أو الذين يستطيعون أن يقنعوا أنفسهم بالمشاركة، ولكننا أمام واقع صعب جدا، فما هو الحل؟ أنا أمثل شريحة من الشعب السوري، ولا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يتنكر لهذه الشريحة. وهذه الشريحة لا تصدق ما يحدث الآن في سورية وستبقى تقاتل من أجل سورية. وأنا أريد أن أشارك لأطمئن هؤلاء الناس. وهذا لا يعني قرارا خاصا مني بالمشاركة، بل الواقع هو ما يفرض نفسه الآن علينا جميعا.

ولكن ما ذكرتموه الآن يعني بشكل أو بآخر عودة للمشاركة؟

الأمر ليس ببساطة هذا الطرح. هناك فارق كبير بين من يعود للمشاركة لأغراض شخصية، وبين من يدفع إليها بحكم الظروف. أنا أريد أن أشارك لأطمئن هؤلاء أني لن أقبل أي انحراف، كما لم أقبله في زمن أخي الأكبر والذي كان في مكانة والدي في نفس الوقت، حينها كنت أقبل يديه صباح مساء بحكم التربية التي نشأنا عليها، فكيف أقبلها على نفسي الآن وأنا في هذا العمر. لقد ثرت على كل شيء وكدت أصطدم مع أخي وكنت متمكنا من أتباعي، متمكنا من قناعتهم بما أفعل. المناصرون وقتها اندفعوا من أجل السلطة وأنا اندفعت من أجل سورية. ولكني حينما وجدت أن الموضوع يتجاوز كثيرا وقد يذهب إلى حالة صعبة ليس بمقدورنا أن نصححها فيما لو اشتعلت، انسحبت بعيدا وتفرغت منذ سنوات للقراءة والكتابة، أعيش مع كتبي وقلمي.

كما أن لكم مناصرين هناك أيضا من يتحفظ على مسيرتكم.. فإلى أي مدى ترون أن مبادرتكم قابلة للتحقيق على أرض الواقع؟

حسب تقديري الشخصي أن الحل إذا لم يأت شديد التوازن فسوف يعكس هذا شرا على المنطقــــة العربيــة والإقليمية، إن لم يكن على العالم كله. وهـذا الشر سيكون مخيفا فلا أحد يعرف حقيقة الحجم الإستراتيجي لسورية. المشكلة تكمن في أن نظام الحكم منذ عقود قد غيب ملامح سورية الحقيقية عن السوريين وضيعوا المعرفة السورية، ضاعت مع السوريين وعنهم وضاعت عن محبي سورية وعنهم.

حجم الإخوان

بشكل مباشر، النظام يؤكد على أن الإخوان المسلمين لا يتعدون 10% في سورية، فما هو رأيكم؟

رأيي أنهم لا يتجاوزون 3%. هناك شيخ من الواضح أنه يبحث عن شيء يعزيه. هذا الشيخ جلس في إحدى الفضائيات يحرض السوريين على الثورة والتحرك والصمود، ونحن لن ننكر أن له شعبية ولكن هل هذه الشعبية حقيقية؟ هي حالة فورة عاطفية لا يمكن الأخذ بها.

إذا كان هذا صحيحا، ماذا يحدث الآن في سورية، ومن هم هؤلاء الثائرون؟

ربما لن تصدقوا إذا ما قلت إنهم بعثيون وقوميون. إن الثائرين في الشارع لهم قوميتهم وعروبتهم وحينما يجدون أن ما يؤمنون به في خطر لا يمكن بأي حال أن يعرضوا سورية وعروبتهم لأي مخاطر. هم ثائرون من أجل الحرية والعدالة ولكن من خلال مبادىء ثابتة لا يحيدون عنها أبدا.

كيف هذا ونحن نستمع إلى أصوات من الداخل تنادي بتدويل الملف السوري؟

الوضع في سورية منقسم الآن، هناك أناس مسؤولون ومنهم أنا نرفض التدخل الأجنبي أو الحماية الدولية. أما القسم الثاني فهو يطلب هذا تحت ضغوط حالة صعبة تصل إلى اليأس. وهؤلاء أجزم أنه لو جاء التدخل الدولي لسوف يكونون أول من يحاربه إذا ما استلموا السلطة. نحن نتحدث عن لحظة إنسانية وعاطفية.. هؤلاء أناس يموتون كيف لنا أن نطالبهم بالتفكير المنطقي العقلاني وهم تحت وطأة هذه الضغوط؟

التدويل

ألا تخشى من هذه النداءات والتحركات المدعومة من قبل دول غربية بتدويل الملف؟

جميعنا يعرف أن مجلس الأمن ليس شخصا واحدا بل هو دول وقوى كبرى لها مصالح بأن تستمر ولها مصلحة إذا ما شاءت أن تبحث عن الحقيقة دائما. نعم هذه الدول إذا ما اتفقت على أمر فسوف يكون هذا الأمر ولكن إذا لم تتفق فنحن أمام واقع مختلف. إن مجلس الأمن يشكل ضمانة للجميع حتى لمن لا يريد مجلس الأمن. حينما يكون هناك إجماع، هذه ضمانة، وحينما يقرر المجلس عدم التدخل هذا أيضا ضمانة.

أيا كان أسلوب معالجة الأوضاع الحالية في سورية... هل ترون بأي إمكانية لحلول في ظل استمرار النظام الحالي؟

لا. النظام لابد من تغييره، لقد أخطأ كثيرا. ما نراه اليوم هو نتيجة تراكمات أخطاء كثيرة في حق الشعب السوري، وهذه التراكمات يتحمل الجزء الأساس فيها الكيان الذي أسس لكل ما حدث ويحدث وهو حزب البعث.

خطر التقسيم

هل توجد أي مخاطر على سورية من التقسيم؟

أشك كثيرا في ذلك. صحيح أن الحالة الآن معقدة جدا في سورية، ولكن هذا التقسيم في رأيي لن يحدث حتى ولو كان هناك من يريدونه. إن سورية فيها أطياف متعددة، ولا أظن أنها سوف تقبل أن يتسيد فيها لون أو طيف واحد. لقد كنا لونا واحدا في الحالة الاشتراكية فهل كل ما يحدث الآن من أجل العودة إلى الوراء أم من أجل النهوض بسورية وبشعبها؟

نحن أمام شعب عاش يحلم بالحلم العربي، لذا أؤكد على أنه لا يوجد مواطن سوري واحد يقبل بالتقسيم. حتى قائد الجيش الحر، رياض الأسعد حاليا أنا أعرفه وأعرف عائلته هم أشخاص عروبيون يقاتلون من أجل عروبة سورية أكثر مما يقاتلون من أجل أي شيء في الدنيا، لا يوجد شخص في الجيش الحر يقبل التقسيم وأنا أتحدى. هناك أصوات تقول بالتدخل تهديدا وليس عن قناعة.

حديثو الولادة

المجلس الوطني السوري يؤيد تدويل الملف السوري، فهل هذا من قبيل التهديد فقط؟

من هو المجلس الوطني السوري؟ تتحدثون عن مجلس ولادته لا تتجاوز بضعة أشهر وحتى اليوم لا يعرفون بعضهم بعضا، أليست هذه مشكلة؟ هناك مجلس وطني سوري عابر قوامه الإخوان المسلمون، وهذا القوام ليس ظاهرا.

المعارضة السورية في الداخل والخارج والتي هي عدة كيانات، تواجه بعض الانتقادات بأنها غير جاهزة، وليس لديها خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد الرئيس بشار الأسد، هل أنتم مع هذا الرأي؟

كل ما نشهده اليوم هو كيانات عرضية لا ثقل لها في الداخل السوري وليس لها مستقبل. وإن أردت الصدق جميعها، وأنا جزء منها، لن يكون لأحد منها مستقبل، نحن لنا حاضر وقليلون منا يستطيعون أن يكونوا حركة في هذا الحاضر.. صعب جدا. هذه الكيانات مؤقتة. نحن لا نتحدث عن جبهة التحرير في الجزائر، وليست جبهة تحرير الصومال، مثل الواقع الآن في سورية. هذا الواقع هو حالة عرضية نتيجة الانفجار أمام ممارسات حزب البعث.

تبعات التوريث

في رأيكم، وبشكل أكثر وضوحا، كيف يمكن حقن الدماء في سورية؟

الحقيقة النظام الحالي يتحمل المسؤولية، لا يمكننا أن نظل نقول إن الرئيس لا يتحمل أي مسؤولية. الخطأ الذي وقع في بداية الأحداث هو خطأ لا يصدقه العقل. نحن الآن أمام تبعات التوريث. هذا لا يعني أن الرئيس حافظ الأسد كان ينوي شرا، ولكننا اليوم أمام نتائج عدم الخبرة، يمكننا القول إن الرئيس بشار قد ورط في هذا المنصب، ولكن الآن جاء وقت لابد فيه من التنحي ولا حل بديلا لذلك. وإذا تنحى وقال أنا أخطأت هو في مأمن فلا أعتقد أن هناك سوريّا واحدا يحمل بشار الأسد المسؤولية، فالإنسان السوري إنسان واع، ولكن إذا لم يتنح فهو يتحمل مسؤولية كل ما يحدث وما سيحدث في الوقت الراهن. هو ليس صدام حسين وليس القذافي وليس مبارك. الوضع مختلف بالنسبة له.