لست أعرفُ إن كان الحوارُ وسيلةً أم غايةً ، من وجهة نظر مركز الحوار الوطني!  فما أنجزه مركز الحوار بحق حتى الآن هو أن رَفـَعَ سقف حرية التعبير والتفكير رسمياً إلى حد ما،  مثلما أنه بالفعل أطلقَ صافرة البدء الرسمي لثقافة  الحوار، أما ما عدا ذلك، فالمركز توقف هناك و لم يتقدم، بل أظنه تراجع في نوعية موضوعاته المطروحة،  فضلا عن عدم مقدرته ، ربما، أو عدم  رغبته ، في إيجاد أو تطويرآليات لفن الاختلاف بحوار حضاري يتجاوز "صراع الديكة" و يتجاوز  طريقة الأستاذ فيصل القاسم في برنامج " الاتجاه المعاكس " في "قناة الجزيرة " ، وصولا إلى آليات  و مؤسسات تنسجم مع ما يتم عادة  في المجتمعات الحديثة من تصويت واستفتاءات شعبية واستطلاعات للرأي في كثير من القضايا . و هو ما أضاع على المركز فرصة ذهبية حتى في نظرته للحوار بأنه غاية لا وسيلة تهدف لاستزراع ثقافة الحوار لكل الناس ولا يقتصر فقط على أربعين مواطنا يجتمعون  كل أربعة أشهر حول موضوع يناقشونه و ينتهون إلى توصيات تماما مثلما يتم في أي مؤتمر أو ندوة تعقد في إحدى الجامعات أو غيرها.
"أقنعني أو أقنعك، و إلا فليس هناك ما نتحاور حوله أو عليه" . هذه مقولة يجب أن تـُشطب نهائيا  من  قاموس أي حوار، لأن من شروط الاشتراك  في لعبة الحوار، المساواة  في الأهلية بين المتحاورين وعدم بناء الأحكام المسبقة و عدم انتقاص الطرف الآخر في الحوار و الالتزام بأدب الاختلاف . و أي تجاوز لما سبق من خصائص، هو في الحقيقة يُسيء لذات الطرف و ليس للطرف  المحاور. كما أنه ليس هناك من يملك الحقيقة الكاملة و المطلقة . والدليل ما تشهده الساحة المحلية هذه الأيام من جدل و سجال فقهي و فكري و ثقافي و إعلامي حول قضيتي الاختلاط و إغلاق المحلات  التجارية أثناء الصلاة ، فكل الأطراف لديهم الأهلية و السوية للحوار. و الغاية في النهاية هي الوصول  للمعرفة و ليس هناك منتصرأو مهزوم ، فلا يجب أن نضيق بالنقد ، فبالنقد ينضج الحوار و المتحاورون، و بالنقد تتكون المعرفة المشتركة لكل المتحاورين و للشعب و للبشرية، فكما قال الدكتور صالح بن حميد، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في بحثه بعنوان "أصول الحوار وآدابه في الإسلام" ، بأن الحوار" تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق" 
فلو مضى الحوار تبعاً لهذه الفرضية وعكس المتعارف عليه في أدب الحوار و ثقافة الاختلاف، لما وجدنا ما يُجمع عليه مواطنان اثنان، و حينها سيضطر المتحاورون للخروج عن الموضوع بالتنقيب عما يُختلف حوله بدلاً مما يُتفق عليه ، كما  فعل الدكتور النجيمي في  حواره مع عائشة الرشيد ، عندما  زجّ بالقبيلة ، ليكسب الجولة ، حين أخفق في تقديم حجة منطقية وعلمية لموضوع النقاش، أو  كما يفعل بعضهم من تأليب للمؤسسة السياسية ضد من يختلف معهم ، و لنا في قصة "خلق  القرآن" عبرة مع الفقيه أحمد بن حنبل، عندما أوقع بينه و بين الخليفة المُتمصلحون و من يصطادون في الماء العكر. 
منْ يدري ربما يصل الحال بنا في هكذا حوار، إلى أن نجرّد المواطن من مواطنته و من عقيدته و من  عقله، إذا لم يرتد الثوب الأبيض والغترة الحمراء و يأكل"الكبسة"ويـُشاهد نشرة التاسعة والنصف للتلفزيون السعودي، و يشرب حليب الإبل و يسمع  لمحمد عبده ، و ما عدا  ذلك فناقصة " أهليته " و "مواطنته".
بالتأكيد ليس المطلوب من " مركز  الحوار  الوطني" إيجاد حوار بين الزوج و زوجته، لكن الحراك  الفكري والثقافي في الساحة المحلية بما يحمله من قضايا بالغة الأهمية، يطرح علامة استفهام حول غياب " مركز  الحوار  الوطني " و انزوائه بطريقة تبعث على الاستغراب،  فهل الخدمات الطبية أهم للحوارالوطني من قضية الاختلاط بذاتها أو بما يترتب عليها ؟  هذا بالطبع لا يلغي دور الإعلام  و الصحافة في السجال،  لكن  المركز هو الجهة  الرسمية الأولى المناط  بها التأسيس و استزراع ثقافة  الحوار و أدب الاختلاف و هذا في الحد الأدنى ، أما الحد الأعلى، فمركز الحوار يجب أن يتخلى عن  نمطية المؤتمرات و الندوات و ورش العمل في موضوعاته و آلياته، و يتبنى موضوعات و آليات و مؤسسات و برامج تصل إلى أبسط  فرد في المجتمع و يتجاوز الطروحات الخدماتية و أن يستفيد من تقنية الاتصالات في الوصول آنيا  أو مرحليا لأبسط فرد في طريف أو نجران أو الأحساء ، إذا  لزم  الأمر.
أخيرا، في  ظني هناك أربع آليات مؤسسية للتعامل مع نتائج كل حوار يقوم به أو يتبناه مركز الحوار الوطني: 1) حوار  يفضي إلى نتائج  توجه مباشرة للملك كأعلى سلطة لاتخاذ قرارات  بشأنها، 2) حوار يفضي لنتائج توجه لمجلس الشورى للاستفاضة في تداولها و الخوض بها و التصويت عليها، 3) حوار يفضي إلى نتائج توجه للرأي  العام  و يُستفتى حولها شعبيا ، و يُستطلع الرأي العام حولها ، فيقول الناس رأيهم مباشرة. 4) ما عدا ذلك من نتائج حوارات ينتهي في جلسة الحوار ذاتها ويصبح فقط للثقافة العامة في أدب الحوار و الاختلاف.