• من يرى مارلون براندو العجوز في فيلم "العراب / Godfather" وهو يؤدي دور زعيم المافيا القاتل "دون فيتو كرليوني" لا يمكنه إلا أن يحب هذا الرجل، أن يطيح في فخّ جاذبيته المهيبة، أن يصير دون شعور مأخوذاً بفتنة الشرّ.. حدّ التواطؤ الخفي مع أفعاله، الألم عندما تعرض لمحاولة اغتيال، ولحدّ الحزن الشفيف عندما مات فوق كرسيه. من قال إن الشرّ لا يخبئ في داخله إغراءً خطراً ولذيذاً، وفي هذا السبب بالذات تكمن خطورته!
• مثّل زعيم المافيا كرليوني "الرجل الحقيقي"، وكان هذا هو الفاتن فيه من جهة، أنه كان الرجل الذي يعرف ما معنى كونه رجلاً، وما معنى كلمته التي يقولها، والتزامه بوعوده وعهده، إنه رجلٌ لا يكذب في مواقفه ولا يغدر أولاً، لكنه عندما يتعرض أحد رجاله أو مصالحه للأذى أو المخادعة فإنه يصير, من جهة أخرى، قاتلاً دون أية رحمة، ومن هذه الزاوية يوافق المشاهد العادي على جريمته، يؤيدها في داخله ويندفع نحوها، وينسى مسألة الخير، ورعبه الفطري من الدماء وصوت الموت، بل ويتشفى برؤية القتل والتصفيق له، انتقاماً لصورة الرجل الحقيقي في داخله!
• أتذكر في طفولتي أنني كنت وسائر جيلي في السعودية مشدوهين بالشخصية الكرتونية "القرصان جون سيلفر" في المسلسل الكرتوني "جزيرة الكنز"، ومع أنها شخصية رسوم متحركة إلا إنها كانت حاضرة في تشكيل حزننا وفرحنا وإعجابنا ونشوتنا وألمنا وذاكرتنا.. الخ، والمفارقة أننا كنا نحبه أكثر من الأشخاص الطيبين العاديين في المسلسل نفسه بالرغم من كونه قرصاناً، مثله مثل زعيم المافيا الرجل الحقيقي والقاتل الحقيقي "كرليوني"!
• بوضوح أكثر: إن هاتين الشخصيتين لم يخاطبا فينا الشرّ معزولاً عن الخير، أو الخير معزولاً عن الشر، بل خطورتهما أنهما غازلا فينا الخير والشر معاً في نموذج شخصيةٍ واحدة، النبل المدهش والقتل البشع في نموذج شخصية واحدة، الثقة بكلمة والعقاب على الإخلال بها بالموت ولا شيء غيره، الخوف والحب، الرهبة والمروءة، والالتزام وخرق القانون.. كل هذه الأضداد في شخصية واحدة، وليست معزولةً عن بعضها أبداً، وكانت تحرك فينا هذا الكامن البشري أكثر من أي شخصية أخرى تمثل دور الخير فقط، أو دور الشر فقط!
• هنا مقطع لسيلفر يتحدث عن حقيقة السعادة:
http://www.youtube.com/watch?v=lf-2y5oKjIg
• يقول القرصان سيلفر "إن من بين الأشياء التي لا أحبها في هذا العالم، هي قوانين البشر"، ويقول زعيم المافيا فيتوكرليوني "إنك قوي ما دمت لا تحتاج أحداً"!.