رغم امتلاك منطقة الجوف لآثار ترجع إلى عصور قديمة تعتبر منطقة جذب للسياح والباحثين إلا أنها ظلت طوال سنوات مضت خارج خارطتهم السياحية..

وبدأت البوصلة تتجه إلى منطقة الجوف بعد انتشار زراعة زيت الزيتون وتسويقه عبر مهرجانها السنوي.

فبعد 20 عاماً أضاء زيت زيتون الجوف الوطن حيث بدأ عام 1408 مزارعو منطقة الجوف يزرعون أشجار الزيتون بكثافة غير مفكرين بتسويق إنتاجه مكتفين باستعماله في منازلهم وإهداء الأقارب منه رغم كثافة المنتج واتساع رقعة زراعته، ولكن غياب المسوق أبعد فكرة بيعه عنهم, وفي 1428 جاء الحصان الأسود لبلد النفط الأخضر "الجوف" بموافقة وإشراف أمير منطقة الجوف الأمير فهد بن بدر ليبدل الثقافات ويوجد المسوق، تلك الضالة التي بحث عنها مزارعو الجوف سنوات طويلة عبر مهرجان الزيتون بالجوف, الذي أصبح نقطة تحول فعلية للمنطقة، سوق للجوف ولزيتون الجوف ورفع الثقة بزيتها حتى أصبح ماركة مطلوبة في السوق المحلي والخليجي, ورفع سعره حتى أصبح برميل الزيت الجوفي ينافس برميل النفط.

وتستعد الجوف اليوم لانطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الذي يستمر حتى 7 /3 /1433.

أغصان أحفورية

أوضح مدير المديرية العامة للزراعة بمنطقة الجوف المهندس فهد الدرباس في حديثه إلى "الوطن" أن تاريخ الزيتون بالجوف يعود إلى عصور قديمة، حيث عثر على أحافير لأغصان متحجرة لشجرة الزيتون بالمنطقة تعود إلى عصور قديمة.

وبين الدرباس قصة عودة نشأة زراعة أشجار الزيتون في الجوف، بقوله "بدأ أحد المزارعين بزراعة الزيتون عام 1396 بالمنطقة وكان ينقل المحصول لدولة الأردن لعصره لعدم وجود معاصر بالمنطقة ولا توجد ثقافة زراعة الزيتون لدى المزارعين حينها"، وتابع "ولكنها بدأت منذ ذلك العام تتجه الأنظار لزراعته بكثافة في المنطقة، وبدأ بالانتشار الواسع منذ عام 1408, حيث بدأ صغار المزارعين وكبريات الشركات بالتوسع في زراعته, واستمرت رقعة الزيتون تتزايد حتى بلغت اليوم 13 مليون شجرة تحتضنها 12 ألف مزرعة و300 مشروع زراعي و6 شركات من كبريات الشركات الزراعية بالمملكة".

مهرجان الزيتون

وبالرغم من الأرقام الكبيرة لأشجار الزيتون وإنتاجه الوفير في المنطقة ظل صغار المزارعين لأعوام قريبة لا يفكرون بعرضه للبيع, خاصة في ظل ما يسمعون من حكايات فشل تجارب آخرين لتسويقه ووقوعهم محط سخرية من المستهلك الذي يرى أن طبيعة جغرافية وطقس المملكة لا يساعدان على إنتاج الزيتون, وظل زيت الجوف يسوق بخجل عن طريق شركات زراعية كبرى وبأسعار زهيدة لا تتخطى 300 ريال للتنك "16 كيلو", إلى أن جاء مهرجان الزيتون عام 1428 وبدل الحال.

نقطة تحول

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي للمهرجان أمين أمانة الجوف المهندس محمد الناصر "إن مهرجان الزيتون الذي انطلق عام 1428 بموافقة وإشراف أمير المنطقة كان بمثابة نقطة التحول, حتى أصبح اسم الجوف يقترن باسم الزيتون فلا يكاد تذكر الجوف إلا ويذكر الزيتون معها بعدما كان يسخر المستهلك من خارج المنطقة من مزارعيها عند عرضهم للزيت في مواقع ومناطق مختلفة قائلين (إن المملكة لا تزرع ولا تنتج الزيتون)، وذلك حسب إفادة عشرات المزارعين في المنطقة الذين كشفوا عن تجاربهم مع انطلاقة المهرجان, واليوم أصبحت ماركة زيت الجوف ذات ثقة عالية في السوق ومطلبا للمتسوق بعد أن نجح المهرجان في التسويق لها".

وأشار الناصر إلى أن مزارعي المنطقة أصبحوا يعون أهمية التسويق وطرقه، وقال "استطاعوا تسويق كامل إنتاجهم خلال الدورات السابقة للمهرجان التي شهدت صفقات وأرقاما كبيرة في مبيعات الزيت كما ساعد على وصول الزيت إلى سعره الحقيقي بعدما كان يسوق بسعر زهيد".

ثوب اقتصادي

إلى ذلك، قال مدير الهيئة العامة للسياحة والآثار في الجوف حسين الخليفة "إن مهرجان الزيتون ينجح سنوياً في استقطاب أعداد كبيرة تحضر إلى الجوف لقضاء إجازة منتصف العام، وكان المهرجان السبب الرئيسي لزيارتهم للمنطقة وشراء زيت زيتون الجوف، إضافة إلى ما تتمتع به المنطقة من مواقع أثرية تعتبر من أعرق وأفضل المناطق الأثرية في العالم".

وتوقع الخليفة ارتفاع معدل الزيارة لمهرجان هذا العام، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب في مقدمتها "الأوضاع السياسية التي تمنع أبناء المملكة من السياحة الخارجية, وكذلك غياب المنافس لمهرجان الزيتون حيث يعد أكبر مهرجان خلال إجازة منتصف العام, وكذلك دفء أجواء الجوف أيام المهرجان المهيأة لاستقبال محبي السياحة الصحراوية والتنزه في البر".

وبيّن أن المهرجان يحقق عوائد اقتصادية جيدة خلال الإجازة حيث تشهد الحركة السياحية في منطقة الجوف نشاطا مميزاً، وتبلغ نسبة إشغال الفنادق والشقق المفروشة بجميع فئاتها ودرجاتها في الجوف أيام المهرجان نحو 90%.

الأسر المنتجة

وأضاف الخليفة أن المهرجان لم يسوق للمزارعين الزيت فقط بل كان نقطة تحول للأسر المنتجة بالمنطقة، وقال "ينظم الفرع سنوياً سوقاً للأسر المنتجة ضمن فعاليات مهرجان الزيتون وبدأت تجربة السوق بأربع عارضات في الدورة الأولى واليوم في الدورة الخامسة يشارك فيه 160 عارضة".

وتابع "معرض الأسر المنتجة في المهرجان نقطة تحول للأسر في الجوف، التي استطاعت أن تقنع المجتمع المحلي بهذه الخطوة وأن يكون البائع امرأة، واكتسبت الأسر المشاركة الخبرة الكافية لمعرفة متطلبات السوق، وما يرضي أذواق المتسوقين، وفتح المعرض لهن الأبواب التي كانت تجهلها السيدات في أصول التسويق ومتطلباته حيث اكتشفن فرصا جديدة سيعملن على استثمارها في المناسبات المقبلة، وذلك كان هدفا رئيسيا لإشراك الأسر المنتجة".

وقال الخليفة "إن هذا السوق يعد أكبر أسواق المناطق الشمالية للحرف اليدوية والأسر المنتجة، ومن أكبر أسواق المملكة الشعبية"، لافتاً "أن هذا العام سترتفع الجودة للأسر للمنافسة على جائزة حرم أمير المنطقة الأميرة سارة بنت عبدالله التي خصصتها هذا العام للأسر ومقدارها 80 ألف ريال وزعت على 3 مراتب".

جائزة فهد بن بدر

ساعد المهرجان على رفع درجة جودة الزيت في المنطقة حيث خصص جائزة الأمير فهد بن بدر للزيتون التي تمنح لأعلى زيت جودة في المهرجان مما جعل المزارعين يتنافسون على رفع الجودة, وقد خصص أمير المنطقة جائزة مقدراها للمركز الأول مبلغ 100 ألف ريال, والثاني 50 ألف ريال والثالث 30 ألف ريال, وقال خبير الزيتون المهندس بسام العويش إن جميع المشاركين في الجائزة في الأعوام الماضية كان زيتهم نخب أول حسب مواصفات الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس, مبيناً "أن التقييم وزع على درجة الجودة وطريقة الري والمشاركة في معرض الزيتون وأن يمتلك المرشح مزرعة زيتون في المنطقة لا تقل عن 500 شجرة ولا تزيد عن 5 آلاف شجرة وكذلك نظافة وترتيب المزرعة, ووزعت النقاط على 3 معايير موزعة كالتالي 50 نقطة تمنح لجودة الزيت التي تقدر بنسبة الحموضة و30 نقطة لعدد الأشجار و20 نقطة لنظافة الحقل، ويتم التقييم حسب الزيارة ولجنة الجائزة المكونة من وزارة الزراعة ومركز أبحاث الزيتون بالجوف ووزارة التجارة ولجنة المزارعين بالغرفة التجارية في الجوف وجامعة الجوف".

صناعات الزيتون

من خلال الأنشطة الثقافية والمنبرية واستضافة الخبراء والمختصين فتح المهرجان أبواب واسعة للمزارعين والمستثمرين للاستفادة من صناعات الزيتون ومخلفات عصره وظهرت صناعات صابون زيت الزيتون والجفت وخلافه بمعارض الزيتون السابقة, واليوم تحتضن الجوف أكبر مجمع صناعي للزيتون الذي تمتلكه شركة الجوف للتنمية الزراعية بمقرها في بسيطا، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية 200 طن يومياً.