لم يعد الزملاء الإعلاميون يسألون "الطابع بأمر الله" عمَّ يقول في موت أحدٍ، ولا أربعاء! لأنهم لن يحصلوا على تأبين تقليدي مثل: إن رحيل "محمد عابد الجابري" خسارة كبرى للفكر العربي؛ وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاتٍ مهمة، ساهمت في تشكيل العقل العربي الحديث! ومن حقه أن يكرَّم على أعلى مستوى، كأن يطلق اسمه على "برج" الجوال المزمع إقامته في اليوم الأربعين لوفاته، وتخصص خدمة "التجوال المجاني" المرسلة والمستقبلة منه لتسديد ديونه! انسجاماً مع آخر "أبراج" العقل "الجابري"، التي طارت قبل وفاته بزمنٍ بعيييد هنااااك؛ حين منحته المؤسسة الفلسفية الغربية جائزة "ابن رشد"، إحدى أهم الجوائز هنااااك بعيييييد!

أدرك الزملاء الإعلاميون أن للأخ/ أنا نظرةً مختلفةً تماماً للموت، تفرِّق بين "الجابري المبدع" و"الجابري الشخص": أما الأول فلن يموت وكتبه حيةٌ تسعى! وأما الآخر فقد انتقل من رحمةٍ واحدةٍ، إلى تسع وتسعين رحمةً، كما في الأثر الشريف عن نبي الرحمة ـ فداه كل من خان رسالته وشوَّه تعاليمها ـ وارتاح من ظلم العباد إلى عدل القاهر فوق العباد! فالأجدر أن نقدم له التهنئة الخالصة موصولةً لأسرته وذويه وتلاميذه بصلوات الله تعالى، ورحماته الممطرة بشرى للصابرين: {الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}!

ويضاف إليها بالنسبة "للولد الشقي"/ "محمود السعدني" ـ "رئيس الجمهورية العربية المتحدة المختلفة" لفن السخرية، الذي توفي في اليوم نفسه ـ أنه سبقنا إلى لقاء أستاذنا الأول، والأخير، و"النص نص" في السخرية، ألا وهو: "المووووت"، كما قلنا في مقالة بعنوان: "في حضرة الساخر الأكبر"! وأستبعد أن يكون "السعدني" قد قرأ تلك المقالة، لكن "أستاذنا الأكبر" قرأها بلا شكٍّ، ولا تطريزٍ ولا تخريم، وكأني به يستقبله هاشَّاً باشَّاً ـ ومن "باشَّاً" هذه جاء دعاء الزميل/ "الشعب المصراوي كله": ربنا "يبشبش" الطوبة اللي تحت نافوخه! ـ قائلاً: "بص يا محمود يا ابني، ما حدِّش فاهمني زي بتاع "المدرسة السحيماوية"! آه والله: تخيل أنه لـمَّا بلغه خبر استقبالي "للجابري"؛ صاح فوراً: يا إلهي ما أسهل الموت! ما أصعب الحياة! نوبةٌ قلبية خاطفة، مقابل خمسة وسبعين عاماً من "الكَبَد"!




ولو "تسحمن" كل الناس ـ والكلام لأستاذ الساخرين الأكبرـ لما انتشرت فيهم ثقافة مازالت تحرِّك "بعض" العقول في كتاتيب وزارة "التربية والتعليم"، وتنشر الذعر في "بعض" منابر الجمعة، والأشرطة، و"الفضوات القنائية"!

وما لهم لا "يتسحمنون" ودينهم يؤكد أن الموت ليس إلا بداية الخلود؟ والزميل/ "عمانول كانت" يرى أن العقل لا يتوقف بالموت عن النمو، مع مراعاة فارق "الزمان والمكان والزمكان والمكزان"؟!