تَنَشْرَقْنَا كثيراً ـ من "نشرنا نقدنا" ـ عن الفرق بين الكوميديا والتهريج أو الإضحاك، وقلنا مراراتٍ كثيرة: ليس في العالم العربي من يصدق عليه وصف "كوميديان" إلا "أحمد زكي" في بعض أفلامه، وأشهرها "البريء" لـ"وحيد حامد"! وكان يمكن للفنان السعودي القدير/ "صالح الزير" أن يكرره لولا اعتزاله المبكر للتمثيل، ردَّ الله صحته.. صحة من: "الزير" أم التمثيل؟
وماعدا ذلك فكل سلسلة النجوم، الذين نصفهم ـ بلا مبالاة ـ بـ"الكوميديين" هم مضحكون مهرجون، وإمامهم عادل! وليس في ذلك انتقاص من قدرهم، فالتهريج فن مستقل محترم، برَّز فيه نجوم على مستوى العالم، وإنما العيب في الخلط بينه وبين الكوميديا/ الفن الدرامي المعقد، بل ربما كان الأعقد!
والعلامة الفارقة لنجوم الإضحاك العرب هي: "تلميع" نجم واحد للمسرحية أو المسلسلة أو الفيلم، بحيث يبرز وكأن الآخرين مجرد كمبارس له! في أعمال تتدرج جودتها الفنية من أفلام "إسماعيل ياسين"، إلى أفلام "دريد لحام" "الماغوطية" ـ نسبة إلى الشاعر الثوري الكبير/ "محمد الماغوط" ـ ومن "طاش ما طاش" إلى "مرايا/ ياسر العظمة"! أما في المسرح فالتلميع التهريجي أوضح!
والقاسم المشترك الأهم بينهم جميعاً هو: أنهم يتولون بأنفسهم إنتاج "أشيائهم"، وهنا مكمن الخطورة؛ حيث تتضخم ذات النجم حين يحس بأن الجماهير إنما جاءت للمسرح، أو دار العرض لتموت في "دباديبه هو"؛ لا لتعيش قصةً ما، أو تمارس فرجةً لعمل ما! و"عادل إمام" هو النموذج المترهل لذلك من أيام الأبيض والأسود! فكل أعماله تكتب له، و"تتقيِّف" على مقاسه، و"تتهيِّف" حسب نظرته "هو"! ومازال أكثر الناس مبهوراً بتهريجه وأسلوبه في الإضحاك مهما قدم من إسفافٍ؛ لأنه كرس فيهم ـ بالإنتاج والتسويق القوي ـ أن ما يقدمه هو "الكوميديا"، ومن يعترض "يبقى هو اللي عامل فيها بتاع، وبيفهم في البتاع، وهو ولا بتاع، ولا بيفهم في البتاع، فبلاش بتاع بقى"!
ومن يشاهد بتاع "الزعيم" في القناة الثقافية السعودية "الخديجة"، ليلة الجمعة الماضية، يدرك ما تردى إليه "الإمبراطور" من استخفاف بذائقة جماهيره، وتطور نظرتها للمسرح: فحركته أصبحت كدبَّابةٍ صدئةٍ من الحرب العالمية الثانية! وتعابير وجهه تلخصت في "تبريق" عينيه بعد أن أصبحت أخاديد الزمن في وجهه أعمق من شوارع "الرياض" بعد المطر! أما غناؤه فكان حشرجةً بائسة لزوم "التهريق"! ولكن العتب ـ كله عشم ـ على قناتنا الثقافية، التي نأمل منها أن تعيد صقل التلقي المسرحي، لا أن تحسِّن لشبابنا قبحه المزمن!