حذر البنك الدولي أمس من أن أوروبا تتجه نحو الركود، فيما بدأت دول أخرى باقتفاء أثرها، مما يفتح الباب أمام إمكانية حدوث أزمة مالية عالمية ربما تكون أسوأ من تلك التي شهدها العقد الماضي. وقال البنك إن الدول النامية التي كانت تشكل محركا عالميا للنمو في معظم العقد الماضي أصبحت حاليا معرضة هي الأخرى لخطر الانزلاق إلى دوامة الركود. وأوضح مسؤول في البنك أن دولا مثل الهند والبرازيل وتركيا وروسيا على سبيل المثال أظهرت بطئا "كبيرا" في نموها الاقتصادي. وجاء التحذير في إطار تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" للبنك الدولي الذي صدر رسميا في بكين وأصبح متاحا للتداول في واشنطن.

وقال التقرير الذي يصدر مرتين في العام إن أوروبا "يبدو أنها دخلت في الركود". وبذلك فإن التقرير يضيف إلى المشكلات المالية الأوروبية بعدما خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، تصنيف تسع دول بمنطقة اليورو على المدى البعيد، وكذلك الجدارة الائتمانية للصندوق التي أنشأته تلك الدول للمساعدة في إنقاذ منطقة اليورو. وتعطي التوقعات الاقتصادية الجديدة للبنك الدولي ارتفاعا في إجمالي الناتج المحلي العالمي 2.5% في عام 2012 بعد نمو قدره بمعدل 2.7% في عام 2011.

وهذا التوقع الجديد هو أقل من 1.1 نقطة لما نشره البنك في يونيو عندما عول أيضا على نمو متسارع في الاقتصاد العالمي. وبحسب البنك الدولي فإن النمو سيتحسن في عام 2013 وسيصل إلى 3.1%.

وجاء في التقرير أن "الاقتصاد العالمي دخل مرحلة صعبة فيها هشاشة ومخاطر ملحوظة بالتراجع".

وفي وقت يبدو فيه أن أي أزمة مالية لا تزال تحت السيطرة، إلا أن التقرير أشار إلى أن مخاطر شلل أكبر بكثير للأسواق المالية وحصول أزمة عالمية شبيهة بحجمها بالأزمة الناجمة عن مصرف ليمان براذرز لا تزال قائمة. وحذر من أن الدول الثرية لا يمكنها أن تعتمد على تعاون الأسواق لتمويل عجزها وديونها المتزايدة. وأضاف أنه في حال حصول "أزمة كبيرة" فإن الدول ستضطر إلى الحد من نفقاتها مما يمكن أن يزيد الأزمة سوءا. ويتوقع البنك الدولي في تقريره نموا بـ5.4 % في الدول النامية بينما لن يتجاوز هذا النمو في "الدول الثرية" أكثر من 1.4%، إذ عول التقرير على تراجع في الناتج الداخلي المحلي بنسبة 0.3% في منطقة اليورو. واعتبر اقتصاديو البنك الدولي أن "تباطؤ النمو بات ملموسا في تراجع المبادلات العالمية وتراجع أسعار السلع الأساسية". وأضافوا أن تقدم حجم المبادلات العالمية قد تراجع بمعدل 6.6% في عام 2011 (مقابل 12.4% في 2010 وهو عام النهوض للاقتصاد العالمي) وهو سيواصل تراجعه في عام 2012 ليصل إلى 4.7%.

وحذر البنك الدولي من أنه على "الدول النامية أن تستعد لمخاطر تراجع جديدة في حين أن أزمة الديون في منطقة اليور وضعف النمو في عدد كبير من الاقتصادات الناشئة الكبرى يؤثر سلبا على توقعات النمو في العالم". وشدد المعد الرئيسي للتقرير أندرو بورنز في تسجيل فيديو عرضه البنك الدولي على موقعه الإلكتروني، على وجود "الكثير من الشكوك" حول الاقتصاد العالمي وأن الخطر الرئيسي في توقعات البنك الدولي هو أن تكون متفائلة أكثر مما يلزم. ولا تزال الآفاق مؤاتية في غالبية الدول ذات الدخل المحدود، إلا أن بورنز حذر من أنه إذا "تفاقمت الأزمة فإن أحدا لن يكون في مأمن" وأن "معدلات النمو في الدول الثرية أو النامية على حد سواء يمكن أن تشهد انهيارا موازيا أو حتى أكبر مما حصل في 2008-2009".

وفي الوقت الحالي، ترتفع نسب الفوائد للدول النامية في الأسواق المالية الدولية بينما تراجع ضخ السيولة في تلك الدول بـ45% خلال فترة عام في النصف الثاني من عام 2011 بحسب البنك الدولي والذي حث تقريره دول الجنوب على "الاستعداد للأسوأ". ولتفادي حصول أزمة في التمويل، نصح البنك الدولي دول الجنوب "بإعادة تمويل عجزها في الميزانية" طالما هي قادرة على ذلك وبـ"إعطاء الأولوية إلى نفقات الضمان الاجتماعي والبنى التحتية" وبـ"إخضاع مصارفها لاختبارات المقاومة". إلا أن البنك اعتبر أن تراجع أسعار المواد الأولية يساهم في "تراجع التضخم العالمي في غالبية الدول النامية، إلا أن "مسألة الأمن الغذائي لغالبية السكان الأكثر فقرا خصوصا في القرن الأفريقي لا تزال تشكل مصدرا للقلق".