حين أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته التاريخية من أجل الحوار الوطني بين أبناء المملكة العربية السعودية، كانت تلك الدعوة منطلقاً عملياً لتلاقي أبناء المجتمع الواحد، بكل أطيافهم، لتعزيز التعايش السلمي والانخراط في حوار بناء وتفاعل هادف من شأنه دعم الوحدة الوطنية وبناء مزيد من جسور التواصل والتعايش والحوار بعيداً عن التعصب والتمييز والإقصاء، وبعيداً عن الأحكام المسبقة والتصورات الذهنية المعلبة. وانطلاقاً من هذه الدعوة جاءت لقاءات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ عام 2003  لتضع اللبنة تلو الأخرى من أجل تعزيز تلك الوحدة الوطنية بين مختلف أبناء الوطن، فاستطاعت غرس قيم جديدة وتأصيل التلاقي بين الأطياف الاجتماعية والفكرية المختلفة على أسس الحوار السلمي الهادف.
والوحدة الوطنية، بكل تأكيد، ليست مجرد شعار يرفع في المناسبات ثم يركن في مسار الحياة اليومية، بل هي شعور عميق يتم بناؤه بصبر وتصميم على مرتكزات عملية مستمرة من شأنها دعم تحقق هذه الوحدة  على أرض الواقع وتجسيدها بشكل يناغم بين الفكر والعمل والسلوك. أهم هذه المرتكزات هو تعمق الإيمان الداخلي لدى الفرد بحقيقة التعددية ومشروعيتها، والنظر إلى تلك التعددية باعتبارها واقعاً معاشاً يعكس مظهراً من مظاهر القوة والثراء، لا الضعف والفقر. والإيمان بالتعددية، مذهبية كانت أم فكرية أم إثنية، يفرض على الجميع احترام الآخر المختلف، واحترام شعائره واحترام طقوسه واحترام مبادئه، وعدم فرض الرأي الواحد عليه، وذلك ضمن حدود الوطن والمواطنة التي يضعها القانون. أما المرتكز الثاني فهو التعاضد الوجداني المتمثل فيما ورد عن نبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى." وهذه المشاعر، حتى وإن لم نستطع أن نفرضها في القلوب، فإنه يمكن الحث عليها عبر الفكر والثقافة والممارسة والقدوة وعبر القوانين التي تجرم التفرقة أو الكراهية أو ما يحض عليها. والمرتكز الثالث يمثله تبادل الحقوق وإنصافها، فالاعتراف بالحقوق ومواجهة حالات التمييز بين أبناء المجتمع الواحد كفيلان بخلق الشعور بالإنصاف ومن ثم تعميق الانتماء للوطن.
على صعيد الأفراد، واستجابة لهذه الدعوة الكريمة، قامت مجموعة من أبناء القطيف بتفعيل أهداف الحوار على أرض الواقع، فكان أن تبنوا لقاء "التعايش ووحدة الوطن" بمنتدى حوار الحضارات بالقطيف من أجل بلورة منهج خادم الحرمين الشريفين في الشراكة الوطنية، حيث اجتمع عدد كبير من المثقفات والمثقفين من جميع أرجاء الوطن، شرقه وغربه وشماله ووسطه وجنوبه، في ندوة التعايش السلمي والوحدة الوطنية والتي تناولت محاور مهمة لتأصيل التعايش بين أبناء الوطن انطلاقاً من مرتكزات وحدة الوطن ومنطلقاتها.
كان المشاركون على اختلاف انتماءاتهم المناطقية يمثلون رموزاً سنية وشيعية كبيرة في المملكة، فخرجوا بميثاق "التعايش الطائفي" الذي تضمن أربعة بنود أساسية هي: وقف التكفير، وتجريم الإساءات الطائفية، ورفع التمييز، وتعزيز وحدة الأمة.
على أرض الواقع والفعل أيضاً، وفي ذات الإطار الذي سنه خادم الحرمين الشريفين، جاءت جهود "لجنة التواصل الوطني" العملية للإسهام في إشاعة الألفة والثقة المتبادلة بين أفراد الوطن وفئاته من أجل إتاحة المعرفة وتوفير المعلومة بشكل طبيعي. و"لجنة التواصل" هي مجموعة من السيدات الناشطات والمثقفات في منطقة القطيف ، تعمل من أجل الانفتاح على الآخر وإذابة الحواجز بين أطياف الوطن وفئاته المختلفة من خلال إتاحة جو من التواصل الجاد والمثمر. ولقد ولدت فكرة هذا المشروع تجاوباً مع مشروع الحوار الوطني الذي قاده خادم الحرمين الشريفين لإشاعة الانفتاح والاندماج والأخوة الوطنية المبنية على أساس المعرفة والثقة بعيداً عن الأفكار السلبية والتوجهات الإقصائية نحو الآخرين.
واحدة من مبادرات "لجنة التواصل الوطني" هي الزيارة التي قامت بها مجموعة سيدات ناشطات ومثقفات من منطقة القطيف والأحساء من أفراد اللجنة لمدينة جدة، حيث التقين بمجموعة من سيدات ومثقفات منطقة جدة في جو أخوي غير رسمي.
وفي هذا الصدد لابد من الإشادة بهؤلاء السيدات الفاضلات اللائي قمن بأخذ زمام المبادرة في القدوم بأنفسهن إلى مدينة جدة للقاء سيداتها بعد أن كن قد وجهن دعوات للعديد من السيدات المثقفات السعوديات من كافة أرجاء الوطن بهدف التعريف بمنطقة القطيف وتراثها الحضاري والفكري ورموزها الاجتماعية والدينية والثقافية. 
بالطبع فإن هذه الجهود لن تمحو بين ليلة و ضحاها سنوات من التوجس والعزلة والتباعد، لكنها وبكل تأكيد تشكل خطوة أولى شجاعة في طريق التعارف وإلغاء الهوة المصطنعة بين الطوائف أو المناطق. من خلال هذا اللقاء خرجنا ونحن أكثر وعياً وتفهماً لوجود الآخر واستطعنا أن نتجاوز قيود التكتم والسرية إلى فضاءات أوسع تمهد لفتح قنوات الحوار لإيجاد مخارج مشتركة تؤكد اللحمة الوطنية.
إن تعزيز التواصل الوطني بنوعيه العام والمؤسسي المنظم يسهم بلا شك في إذابة الحواجز المصطنعة القائمة بين فئات المواطنين الذين وقعوا تحت غائلة التباعد والحواجز لمدة طويلة أسهمت في تراكم المفاهيم والصور السلبية لدى كل فئة عن الأخرى. ومن اللافت للنظر أن هذه الجهود إنما جاءت بمبادرات فردية تسعى نحو إذابة الحواجز وتفعل الحوار الوطني، وليس من خلال قاعدة شعبية كبيرة.
لقد أعلن قائدنا خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى أن "الوطن للجميع .. ووحدة الوطن هي قبل كل شيء.
أعتقد أننا قادرون على أن نسهم جميعا في إذكاء روح الانتماء للوطن عبر التكامل والتضافر لا المشاحنة والبغضاء." والمفاهيم النبيلة العليا لا تتأتى لنا إلا إذا أسهم كل فرد منا في العمل الدؤوب نحو الهدف المرتجى. فتحية إلى عضوات "لجنة التواصل" اللائي حولن القول إلى عمل جميل، والنظرية إلى ممارسة نبيلة.