المرحلة القادمة في المملكة بحاجة إلى فريق إداري مختلف في تفكيره وتعاطيه مع قضايا التنمية. فريق له آلياته وفكره في التعامل مع نوعية الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة ومعالجة قضايا جوهرية منها إيجاد فرص عمل للسعودي وتحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخل وبناء نموذج استثماري لمشاريع الدولة لضمان استمراريتها بعيدا عن "تذبذبات النفط".
مؤسسات الدولة تعاني من ندرة في الكفاءات، القطاع الخاص منافس قوي لها، المياه في المملكة من إحدى تلك القصص التي بها جوانب تستحق التأمل، فهي من أعقد وأهم عناصر التنمية في المملكة. هذا القطاع يواجه تحديات صعبة من أهمها أن السعودية مصنفه على أنها من أندر دول العالم في الموارد المائية,. يقابل تلك الندرة إسراف وتزايد كبير في الاستهلاك، وظروف مناخية صعبة جدا وخاصة في المناطق الحارة.
الملك حفظه الله كان له مبادرات كبيرة في هذا المجال فجعل المياه على رأس قائمة الإصلاح الإداري. أنشئت وزارة مستقله للمياه وعين لها في بدايتها وزيرا ناجحا ودعمت ماديا، لم يتوقف الأمر عند هذا بل تكونت القناعات أن الجزء الأكبر من الحل هو "تطبيق نموذج القطاع الخاص" لإدارة هذا المرفق فتم إنشاء شركة المياه الوطنية.
الوضع المائي في المملكة مقلق فوفقا للإحصاءات الرسمية 20% من المياه لا تصل للمستهلك بل تتسرب من الأنابيب وتقدر كمية المياه الضائعة أو المتسربة بمليون متر مكعب يوميا في المملكة"، 50% من سكان جدة والرياض بدون صرف صحي , 94% من المياه المعالجة لا يستفاد منها بل تهدر رغم ضخامة الاستثمارات في محطات معالجة المياه، الفرد السعودي يستهلك 266 لترا يوميا مقارنة بـ99 لترا في اليابان و100 لتر في النمسا و136 في بريطانيا.
أنشئت الشركة الوطنية للمياه لإيجاد حلول جذرية لمشاكل وتحديات قطاع المياه والصرف الصحي. بدأت الشركة أعمالها منذ أقل من عامين، من يطلع على تقاريرها يجد أنها "نموذج للنجاح" في تطوير الخدمات التي لها مساس مباشر بالمواطن. فمتوسط تركيب توصيلة المياه الجديدة عام 2008 كانت 70 يوما والآن لا تستغرق أكثر من 28 يوما، عدد التسربات التي تم إصلاحها خلال عام 2010 بلغت 65 ألف عملية. الوقت المستغرق لحل مشاكل العملاء في عام 2008 كان 96 ساعة والآن وصل إلى 40 ساعة. بدأت في مشروع استثماري وهو بيع المياه المعالجة للقطاع الصناعي والتجاري وحققت هذا العام مبيعات وصلت 387 مليون ريال. قامت الشركة بإجراء دراسة عن التكلفة والعائد من برنامج إصلاح تسربات المياه فوصلت إلى نتيجة أن تكلفة إصلاح التسربات هي 4 مليارات ريال ولكن الوفر الذي ستحققه الشركة على مدى 20 عاما يصل إلى 36 مليارا.
تجربة النجاح هذه تعرض للقناعة بأن مؤسسات حكومية كثيرة بحاجة إلى مثل هذا النوع من الإدارة. حديث طويل مع الرئيس التنفيذي للشركة المهندس لؤي المسلم، تكتشف قياديا طموحا ومتفائلا وواثقا من النجاح. لمحت من حديثه عبارة ليست عابرة بل مهمة حين يقول "أنا أعشق العمل في البيئات الصعبة"، نعم هناك فريق عمل مخلص خلف هذه الإنجازات التي تحققها الشركة ولكن "القيادة" عنصر أساسي ومهم،. والقائد المبادر والطموح هو من يفتح الطريق لزملائه للإبداع وخدمة وطن يستحق منا أن نضعه في المستوى الذي يليق به.