لم يسلم مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء مما يمكن تسميته بأزمة "شح الأراضي"، فطبقاً لمدير المشروع ماجد العدوان، فإن وزارة الشؤون البلدية والقروية خصصت 220 قطعة أرض لبناء نحو 500 مبنى لمحكمة وكتابة عدل، غير أن المعضلة الأساسية تكمن في صغر بعضها وعدم وقوعها على شوارع رئيسية، إضافة إلى أن عددا منها يقع في مناطق نائية.
وكشف العدوان لـ"الوطن" أن وزارة العدل شرعت فعلياً في مخاطبة "الشؤون البلدية" لإعادة تخصيص أراضي المشروع، موضحا أن الرياض لم تحصل على أي قطعة، بينما خصصت لجدة أرض واحدة فقط.
في أول حديث شامل، كشف مدير مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء ماجد بن إبراهيم العدوان لـ"الوطن"، عن وجود اتفاق بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، لحل إشكالية تزايد أعداد القضايا التي ينظرها القضاة في محاكم 3 مدن سعودية: هي الرياض، وجدة، ومكة.
وطبقا للعدوان، فإن القاضي في المحكمة العامة بالرياض، ينظر في نحو 1200 قضية سنويا، وهو ما اعتبره رقما كبيرا جدا، لافتا إلى أن هناك سعيا حثيثا لتخفيض هذه النسبة لتصل إلى 700 قضية في السنة؛ كمرحلة أولى.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، سعى مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء، طبقا لمديره العدوان، لتنمية الموارد البشرية من خلال مراحل المشروع، وذلك بعد أن أثبتت بعض الإحصائيات " وجود عجز في القضاة ببعض المحاكم".
وأكد العدوان على وجود توجه لتغذية بعض المحاكم التي تعاني من العجز بالقضاة، بغية تسريع العمل القضائي، لافتا النظر إلى أن الإشكالية في هذا الأمر «محصورة في مناطق محدودة».
تأخر المواعيد
ويسعى مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء، لمعالجة مشكلة تأخر المواعيد الممنوحة في المحاكم، وهي المشكلة التي تتركز في الرياض وجدة على وجه الخصوص، بينما تتضاءل في كل من المدينة المنورة وبريدة، التي تشير الإحصائيات أن 80 - 90%من المواعيد تمنح في أقل من شهر.
لكن، الرياض وجدة، بحسب العدوان، تتجاوز فيهما منح المواعيد للنظر في القضايا حاجز الـ3 أشهر. وأكد مدير مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء، أن هذه الأرقام تتم حاليا معالجتها بالتنسيق بين العدل والمجلس الأعلى للقضاء عن طريق نقل أو تعيين قضاة، وإعادة توزيع موارد الوزارة، وصولا لتحقيق أداء جيد.
أعوان القضاة
ويتجه القائمون على مشروع تطوير مرفق القضاء لتفعيل دور الباحثين القضائيين "أعوان القضاة"، والذين هم عبارة عن شرعيين وقانونيين، تتم الاستفادة منهم في كتابة الوقائع وأسباب الحكم، حيث أكد العدوان أن من شأن هذا الأمر «تسريع القضايا المنظورة في محاكم المملكة»عبر تخفيف العبء الموكل بالقاضي.
ويوجد في المملكة، طبقا للعدوان 4 آلاف قاض، ألفان منهم في القضاء العام والإداري، والألفان الآخران يعملون كقضاة في هيئة التحقيق والادعاء العام، وهي الأرقام التي اعتبرها تقترب من المتوسط العالمي لعدد القضاة في أي بلد.
قضاء التنفيذ
وأفصح ماجد العدوان، عن الانتهاء من إعادة هندسة الإجراءات المتصلة بقضاء الحجز والتنفيذ، التي ستتيح للقاضي تنفيذ الأحكام وفقا للصلاحيات المخولة له، وخصوصا فيما يتصل بالسحب من الحسابات البنكية أو إجراء عمليات البيع.
وفصل العدوان بهذا الموضوع بقوله"الوزارة قطعت شوطا كبيرا في إجراءات المحاكم، فقد تم الانتهاء من إجراءات قضاء الحجز والتنفيذ من الألف إلى الياء، وترتيبها ونمذجتها والعلاقات مع الجهات الأخرى، وسيتم تطبيقها قريباً".
وأضاف "نظام قضاء التنفيذ كان ضمن نظام المرافعات الشرعية ولكن تم فصله بشكل مستقل، وسيصدر قريباً، وبمجرد صدوره ستصبح إجراءاته جاهزة وهذا سيتيح للمتخاصمين إذا أقر، أن يسحب القاضي من الحسابات وحجز الأموال في حال وجود قضية دين، ويقوم بتنفيذ الحكم القضائي بشكل كامل، ويصبح القاضي مخولا للاستعلام عن أرصدة المتخاصمين عبر البنوك ومؤسسة النقد وتحويله إلى الخصم".
وعن الجهات المشاركة في قضاء الحجز والتنفيذ، قال العدوان "غالباً الإجراءات التي لها علاقة بالحجز والتنفيذ هي كتابات العدل.
مشكلة الأراضي
وتستهدف وزارة العدل، من خلال مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء، إنشاء 500 مبنى، ما بين محاكم وكتابات عدل.
لكن الإشكالية الكبيرة التي تعانيها الوزارة في هذا الجانب، طبقا للعدوان "شح الأراضي من جانب وعدم ملاءمة بعض الأراضي التي تم تخصيصها للمشروع"، مضيفا "هناك إشكالية كبيرة في مسألة توفير الأراضي.. في الرياض لا توجد أراض، وجدة قطعة أرض واحدة".
وتابع القول في هذه المسألة "خصص لنا 220 أرضا، بعضها ليس على شوارع رئيسة وأخرى في مناطق نائية غير مناسبة للبناء بعضها مساحاتها صغيرة، نحن نبحث عن بدائل الآن".
وكشف أن هناك مخاطبات مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لإعادة تخصيص الأراضي واستبدال بعضها، لافتا إلى أن مشروع مجمع المحاكم في مكة سيطرح قريبا في مناقصة عامة وتم الانتهاء من تصاميمه، حيث تم تخصيص أرض جيدة في مكة سيقام عليها أربعة أبراج "محكمة الاستئناف، المحكمة العامة، المحكمة الجزائية، محكمة الأحوال الشخصية" في مجمع قضائي واحد.
أقفاص الاتهام
وتتجه وزارة العدل ضمن مشروع تطوير مرفق القضاء، إلى استحداث أقفاص اتهام داخل المحاكم، وذلك في خطوة هي الأولى بتاريخ القضاء في المملكة.
وقال العدوان مقابل ذلك "كل مباني المحاكم الجديدة سيؤخذ فيها بعين الاعتبار وجود أقفاص اتهام ولكنها ستكون عبارة عن غرف زجاجية تراعي كرامة السجين وبما لا يؤثر على سلامة من هم موجودون في القاعة".
وأشار إلى أن المحاكم الجديدة، "سيخصص داخلها مسارات خاصة للسجين ومصاعد خاصة وأماكن في القاعات تغذيها المصاعد الخاصة بحيث لا يتعامل مع الناس ولا تخشى إدارة السجن من هروبه داخل المحكمة".
ترشيد القضايا
ومن ضمن الخطوات التي اتبعها مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، ترشيد تدفيق القضايا للمحاكم، وذلك بإخضاع مجموعات كبيرة من العاملين في أقسام صحائف الدعوى، على كيفية استقبال الدعوى وإرشاد مقدمها إلى جهة الاختصاص. وأوضح مدير المشروع ماجد العدوان، أن تأهيل وتدريب العاملين في صحائف الدعوى «سيوفر علينا 20 و25% من القضايا التي تتدفق للمحاكم دون اختصاص».
وينص مشروع تطوير القضاء على استحداث المحاكم المتخصصة، وهي على 5 أقسام طبقا للعدوان "المحاكم العامة، الجزائية، العمالية، التجارية، الأحوال الشخصية".
وعزا عدم البدء في تنفيذ المحاكم المتخصصة، لمتطلبات خارجة عن إرادة وزارة العدل، حيث إن انطلاقتها مرتبطة بصدور نظام المرافعات الشرعية الذي لم يقر بعد.
كتابات العدل
وأكد ماجد العدوان، أن الوزارة أنهت إعادة هندسة إجراءات كتابات العدل الخاصة بالإفراغ والوكالات، وتم البدء بتطبيق الإجراءات الجديدة، ولفت إلى أن الإجراءات القديمة كانت تسير وفق 7 خطوات حتى يتم إفراغ عقار، بينما الإجراءات الجديدة لا تتجاوز الـ 3 خطوات وقابلة للتخفيض إلى خطوتين، وأصبح المواطن يأتي لكتابة العدل لإفراغ عقاره ويذهب لكاتب الضبط مباشرة على أن يذهب بعد ذلك إلى كاتب العدل لإنجاز عمله.
وأبان أن عملية إفراغ العقار أصبحت عمليا تستغرق ما بين ربع ساعة إلى ثلث ساعة من دخول المواطن إلى كتابة العدل، بدلاً من استغراقها ما بين 4 إلى 5 ساعات في السابق. ولفت إلى ضرورة أن يراعي مراجعو كتابات العدل مسألة الحجز الإلكتروني، قبل الذهاب هناك، وروى تجربة شخصية حدثت معه بالقول "بالنسبة لي شخصياً وقبل تخفيض الإجراءات، أفرغت قبل عام عقارا خاصا بي استغرق مني 5 ساعات رغم أنني أحد مسؤولي الوزارة، الآن هناك إفراغ في كتابات عدل في شمال الرياض تصل إلى نصف ساعة بسبب عدم وصول بعض التجهيزات التقنية إليها، لكن هناك كتابات عدل في جنوب الرياض والمدينة المنورة والدمام والقطيف طبقت بها التجهيزات التقنية وأصبحت عملية نقل وإفراغ العقار لا تتجاوز العشر دقائق من الوقت ولا تجد ازدحاما في تلك الكتابات العدل والقيد ولا مواقفها، كون الناس كانت تأتي في السابق الساعة الـ 8 صباحاً في وقت واحد مما يسبب زحاما، بينما حالياً أصبح الحضور موزعا وقد يصل إلى توافد 20 شخصا كل ربع أو نصف ساعة". وأكد العدوان، أن إجراءات العمل في كتابات العدل خصوصا في المباني الجديدة أو تلك التي تم التعديل على إجراءات العمل فيها ستكون مثل "الخدمات البنكية".
المحاكم العامة
وبالنسبة للمحاكم العامة والجزئية، قال العدوان "الآن قطع شوط كبير واختصر جزء من الإجراءات الإنهائية والإثباتية وسيتم تطبيقها قريباً بشكل إلكتروني بحيث أن تكون العملية مكتملة إلكترونياً من تسجيلها، وأيضاً سيتم تطبيق المواعيد في المحاكم بشكل متكامل لأنها أثبتت نجاحها أنها خففت الزحام ووزعت تدفق الناس، وأصبح الموظف مرتاحا ويؤدي العمل أفضل والعمل المنجز بعد المواعيد أفضل".
نهاية المشروع
وتوقع مدير مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء، أن تنجز تفاصيل المشروع في فترة وجيزة، قائلا إن المشروع يتكون من أربعة محاور رئيسة، تتمثل في" المباني، إجراءات العمل، التقنية، والتدريب"، وهي المحاور التي تم بدء العمل في غالبيتها.
وحول موضوع المباني قال "الوزارة بدأت وفق الأراضي المتاحة في إعداد مخططات وتصاميم لإنشاء محاكم في جميع مناطق المملكة منها ما انتهت تصاميمه ومنها ما تم بدء التنفيذ بعد طرحه للمنافسة عبر مناقصات عامة وسيتم قريباً تنفيذه»، لافتا إلى أن من العوامل الرئيسة في تطوير المباني إجراءات العمل، والوزارة تعمل الآن على محور المباني وقطعت فيه شوطا كبيرا وقاربت إنجاز أغلب تصاميم مبانيها، فيها ما طرح وفيها ما سوف يطرح قريباً". ولفت إلى أن مسألة هندسة إجراءات العمل في مرافق العملية العدلية، انعكست على إنتاجية الموظفين التي قفزت لنحو 10 إلى 15%، مؤكدا أنهم في الوزارة يعلمون أن تطلعات المواطنين عالية تجاه هذا المشروع، وأنه سيتم الانتهاء منه قريبا.