إذا كان الأميركيون يتحدثون عن سجن "الكاتزار"الشهير والعراقيون عن سجن "أبو غريب"، فإن السوريين لا يقلون عنهم حديثا عن سجن تدمر الذي تتحدث المعارضة السورية عن مجزرة نفذتها السلطات السورية بحق السجناء في 27 يونيو من عام 1980.
كتب الكثيرون عن تجربتهم في سجن تدمر، ولا يخلو كتاب من هذه الكتب عن وصف عمليات التعذيب فيه، غير أن كتابا صدر حديثا بعنوان "من تدمر إلى هارفارد.. رحلة سجين عديم الرأي"، سلط فيه الضوء على تجربة شخصية لأحد السجناء في تدمر.
ولا تكمن المفارقة فقط بين تدمر وهارفارد، بل أيضا بين السجن وانعدام الرأي، وفي كون السجين سياسيا ثم يكون بلا رأي، لكن ما إن نقرأ الكتاب الذي صدر في 98 ورقة من القطع المتوسط حتى ندرك مقدار الظلم الذي وقع على طالب جامعي قضى 12 عاما في السجون السورية، جزء كبير منها في سجن تدمر الشهير.
يقول مؤلف الكتاب الدكتور البراء سراج إنه يروي قصته التي هي واحدة من قصص آلاف السجناء عديمي الرأي، والذين اعتقلوا على يد عديمي الضمير.
يبدأ الكاتب برواية كيفية وصوله إلى هارفارد، فبعد إطلاق سراحه وجد نفسه وحيدا فقد غادر أهله سورية إلى الولايات المتحدة هربا من الطغيان، فقرر اللحاق بأهله ليعمل سائق شاحنة، لكن أهله أصروا على متابعة دراسته ليبدأ من الصفر في دراسة الأحياء بعد أن طوى صفحة سنتين قضاهما في جامعة دمشق يدرس الهندسة الكهربائية، ثم تدرج في دراسته حتى حصوله على الدكتوراه من جامعة هارفارد.
يعتبر سراج نفسه محظوظا، فقد شاهد عشرات عمليات الإعدام في عدد من السجون السورية، وكان يتوقع مع كل دفعة تساق إلى الإعدام أن يحل دوره هو الآخر، لكن يبدو أن إصرار أهله الذين غدوا جزءا من المجتمع الأميركي ضغطوا عبر وسائل عديدة حتى أخلي سبيله بعد 12 عاما من السجن، وكادت قصته أن تضيع أمام تردده في تدوينها، لولا أن الثورة السورية الحالية دفعته إلى الشعور بواجبه ليقدم للقارئ تجربته المريرة.
يسرد الكاتب ذكرياته على شكل يوميات، تبدأ من يوم اعتقاله أمام جامعة دمشق، وتنتهي بعد قضائه سنوات سجنه في مطار دمشق مغادرا وطنه.
ويصف معاناته تحت التعذيب، في الغرف المظلمة والزنازين الرطبة الضيقة، والضرب اليومي والعقوبات المريرة، وقوافل الرجال الذين يقودونهم إلى ساحة الإعدام، مضيفا: كنت أسمع أبوابا تفتح بهدوء، وصوت حفيف أقدام السجناء، ثم صوت أحذية الجنود الثقيلة، كان هناك نحو 30 شرطيا، وبعد قليل ينزل الضباط لتنفيذ أحكام الإعدام يوضع السجناء في غرفة عند زاوية الباحة السادسة، ثم يسحبون كمجموعات إلى المشانق، ثم صوت جندي "الباحة جاهزة سيدي، يرفع السجين ويوضع الحبل حول عنقه ثم نسمع العبارات نفسها التي يرددها المحكومون بالإعدام "أخوكم في الله فلان الفلاني، الله أكبر ولله الحمد"، ثم ينتهي كل شيء.