يدعوني صديق الدراسة القديم، ذات يوم على مقاعد جامعة أمريكية، إلى حضور الاحتفال الماسي لتأسيس البنك الذي يعمل به اليوم بعد أن تفرقت بنا السبل. إجابة الدعوة هي قمة التناقض ما بين طباعي اليسارية وتطبعِّي الرأسمالي لمن يعرف الفوارق ما بين الطباع والتطبع. ولست بمن يجحد نعمة ربه بالقول إنني في صفوف الفقراء، أو إنني صوت البيروليتاريا حتى أرفض مثل هذه الدعوة. كل القصة أنني – ارتفعت – قليلاً فوق سقف الكفاية، ومثلما – تعيِّرني – زوجتي وهي ذاهبة كل صباح إلى عملها، أنني أكسب ولكن بلا عرق. كنت مع صديقي، آنف الذكر، قبل ما يقرب من عقدين من الزمن نقتسم بقايا طعام الغداء ونسرق من بعضنا البعض نهاية الشهر ما كنا نرميه من قطع النقود المعدنية حين ننظف جيوبنا بعيد العودة كل مساء لشقة – جورجيا – المتواضعة. كنا سعداء جداً، جداً، لأن الحياة يومها كانت بلا هدف وأول درس تعلمته في مرحلة لاحقة أن النفس البائسة تبدأ تماماً حين تحديد الأهداف. ويومها كان كل منا يزرع بذرته: كان صديقي يدرس المحاسبة وإدارة المال وعلم التسويق، وأنا أنتظم في قاعات علوم الأديان وأنثروبولوجيا الإنسان، وعند الخلوة، يقرأ صاحبي مؤشرات – ناسداك، فيما كنت منهمكاً في أدبيات جورج طرابيشي وهشام شرابي من المتاح يومها في مكتبة الجامعة. اليوم، أصبح صديق الدراسة القديم – لغة بنكية – يشار إليها بالبنان، فيما مازلت أنا، وبعد عقدين من الزمن، تماماً مثلما وصفني ذات يوم صديقنا الأمريكي المشترك: لغة كتابية عبوسة وجملاً بليدة من الفلسفة. صحيح أنني حققت الانتشار الذي طالما يغبطني صديقي إلى اللحظة عليه ولكن الأصح أن صاحبي صار يمتلك حق الدعوة إلى حفلة ماسية لبنك، إن قبلتها رفضها طبعي اليساري وإن رفضتها لأمني تطبعِّي الرأسمالي، فعلى الأقل قد أساومهم على نهاية بضعة أشهر من قسط. الفارق بيني وبين صاحبي هو الفارق بين خيارين ومشوارين والفارق كان في بداية البذرة.