من أهم العناصر التي يعود لها إخفاق معظم المؤسسات الحكومية في العالم العربي هو الأنظمة التي تعتمد عليها تلك المؤسسات، الكثير من تلك الأنظمة إما قديمة مضى عليها عشرات السنوات ، أو أنها غير شاملة ومقيدة لحرية العمل والإبداع.
 لعلنا نتذكر أهم قمة عقدت أثناء الأزمة المالية وهي قمة قادة الاتحاد الأوروبي التي عقدت يوم الخميس 16 أكتوبر 2009 ومن تابعها يلاحظ قناعة تلك الدول بأن منبع الزلزال المالي الذي هز العالم هو "ضعف خطير وتقادم في الهيكل المالي العالمي"، أما القناعة الثانية فهي عزم القمة على "إجراء إصلاحات جوهرية على النظام المالي العالمي وتحسين الشفافية ووضع معايير عالمية للرقابة والمراقبة عبر الحدود ووضع نظام للإنذار المبكر لاستعادة الثقة".
 فرص كبيرة مالية وتنموية فاتت على بلدان وخاصة العربية منها كان بإمكان تلك الفرص أن تعدّل في خارطة الفقر في تلك البلدان ومرجعها إلى الأنظمة المطبقة.  إذا نجحت الدول المتقدمة في إصلاح نظامها المالي فإنه سيعيد الثقة ولو بدرجة قليلة في أنظمتها المالية، ولكن ما يضر العالم العربي أن تلك الدول ستصبح ملاذا آمنا لرؤوس الأموال. وهذا سيضاعف الضرر على الدول النامية لأن الأموال ستهاجر إلى الدول التي أصلحت أنظمتها وأعادت الثقة لدى أصحاب رؤوس الأموال.
 نحن أمام تحول ومرحلة تاريخية جديدة في العالم. تحديث الأنظمة من أهم وأولويات قادة الإصلاح لقناعتهم بانعكاساتها الإيجابية على المجتمع. أمريكا بدأت منها الأزمة المالية وكانت أكثر المتأثرين بتلك الأزمة ، كان أول عمل قامت به الحكومة هو إصلاح النظام المالي لأمريكا. فريق عمل يضم خبراء "خلقوا" نظاما ماليا جديدا يحوي 1300 صفحة يعتبر خارطة الطريق لمستقبل المنظومة المالية في أمريكا.
 النظام واجه بعض الرفض من المجتمع بسبب  كبر حجمه ولكن يبدو أن كبر حجمه يعبر أولاً عن إحساس القائمين عليه بحجم المشكلة وكذلك حجم الخسائر التي أحدثها النظام الحالي ولقناعتهم ثانياً بأن النظام المالي هو ركيزة أساسية في بناء وتطوير الدول.
 لدى بعض الدول العربية أنظمة مالية "جيدة" إلى حد ما ويفتخر القائمون على تلك الأنظمة بأنها ساهمت بشكل مباشر في تجنب بلدانهم آثار الأزمة المالية. مثل هذه التصريحات تثير التخوف في أن يركن هؤلاء المسؤولين إلى الماضي للانطلاق للمستقبل. التميز في الماضي لا يضمن التميز في المستقبل ، وإذا كانت هذه الأنظمة المالية مع عوامل أخرى ساهمت في تجنب بلدانهم انعكاسات الأزمة المالية، فقد تفشل في المستقبل.
 الأنظمة المالية وإصلاحها من أهم  وأعقد المراحل في بناء الدولة ومستقبلها وتنميتها، ما نحتاج له هو وقفة مصارحة لتقييم تلك الأنظمة وقد تكون الفرصة متاحة لاستحداث أنظمة تتناغم وتواكب مستقبل تلك البلدان والرواية التي كتبها خبراء في أمريكا من 1300 صفحة قد تكون نقطة الانطلاقة مع تكييفها بما يتناسب مع وضع البلد وإمكاناته.
 الإدارة المالية والاقتصادية في دول عربية كثيرة تعاني من "النمط التقليدي في التفكير المالي"وتعاني من "تشريعات مالية قديمة" وبحاجة ماسة لتطوير "العقليات واللوائح والأنظمة"، المنظومة التي تقود المال والاقتصاد قبل ثلاثين سنة تختلف تماما عن "منظومة المستقبل.