لن يتوقف الإرهاب ما لم تجف منابعه التي تغذيه، ومنابعه فكر ومال وتبرير وصمت، ومنذ أن بدأت وزارة الداخلية بالكشف عن الخلايا الإرهابية في بلادنا والقبض على عناصرها وتقليص نشاطها وهي تعلن أن المواجهة الأمنية تتطلب جهودا مضاعفة من جميع المؤسسات والفعاليات للمواجهة الفكرية التي هي الضمان الأهم لإيقاف مد الإرهاب في الوطن ، فهؤلاء الشباب الضال لم يصلوا إلى مستوى حمل السلاح وتفجير أنفسهم إلا بعد مراحل طويلة من التضليل والتأهيل والتدريب والدعم المادي والمعنوي، وبالأمس أهاب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز بوزارة الشؤون الإسلامية خصوصا المساجد، والجامعات والمدارس ووسائل الإعلام محاربة الفكر المتطرف الذي يقوم على تكفير الدولة وعلمائها، وطالب جميع الأئمة والخطباء بتوعية المواطنين والمقيمين بالأمن الفكري وأهميته لمحاربة الغزو الفكري الذي تعرض له الشباب الذين قال الأمير نايف إنهم أضحوا وقودا للتفجيرات في مناطق العالم المختلفة. وحين يهيب سمو النائب الثاني ويطالب فإنه يشير إلى أن الجذوة مازالت مشتعلة، وأن إطفاء وهجها منوط بتضافر جهود الجميع.
لقد أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها بتجريم الإرهاب وتمويله، ومع  أن هذا القرار قد استغرق وقتا طويلا  حتى صدر أخيرا، إلا أنه يعد دعما جيدا للمواجهة الفكرية التي لم تصل إلى مستوى المواجهة الأمنية الناجحة حتى الآن، ومن المؤمل أن تتم ترجمة قرار هيئة كبار العلماء وتوصيات ومطالبات سمو النائب الثاني إلى برامج عمل فاعلة، تشمل مواجهة كل قنوات تمويل الإرهاب فليس المال وحده هو الذي يدعم الإرهاب بل إن التمويل يشمل الفكر الذي ينظر للشباب ويضللهم، ويشمل وسائل التبرير، ويشمل صمت الذين يهزون المنابر حول كل شيء عدا التطرف والإرهاب.
إن مقاومة فكر التطرف في بلادنا مهمة شاقة وطويلة قياسا إلى طول المدة التي تم فيها زراعة هذا الفكر وتغذيته على مدار أكثر من ثلاثة عقود، وقياسا على خطورة الفكر نفسه حيث تلبس بالدين واستغله، وأوحى أن كل من يقاومه ويرفضه إنما يقاوم ويرفض الدين نفسه بينما الدين القويم منه براء. ولهذا فالمقاومة تتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا وبرنامجا شاملا وجرأة عاقلة منطقية في مواجهة المبررين والصامتين، سيما وأن المنظرين للفكر الإرهابي بصورة صريحة لن يعدموا ابتكار وسائل أخرى لتمرير أجندتهم ومحاولة الوصول إلى أهدافهم السياسية باسم الدين بعد أن أصبحت أساليبهم القديمة مكشوفة.