احتفلت أمس جامعة جازان بتخريج أكثر من 5000 طالب وطالبة يمثلون الدفعة الخامسة من خريجي الجامعة للعام الجامعي 1430/1431هــ ومن بينهم الدفعة الأولى من كليات العلوم الطبية التطبيقية والهندسة والحاسب الآلي ونظم المعلومات والعلوم.
قبل سنوات بسيطة، ومع دخول وقت المغرب من يوم الجمعة من كل أسبوع كان أبناء وبنات منطقة جازان يتوزعون بين مطارهم الإقليمي وبين مواقف السيارات في "صبيا" ليلحقوا بطائرة تقلهم إلى المدن الكبيرة كي يواصلوا مسيرتهم الدراسية في التعليم الجامعي، أو سيارة تعبر بهم عقبة ضلع إلى أبها حيث توجد أقرب جامعة بالنسبة إليهم. وكم تكرر مشهد الطائرات التي لا يمكن أن تستوعب أعداد أبناء جيزان، والسيارات التي يحدها سيل مفاجىء في بيش أو في العقبة التي تغلق أبوابها في وجوههم بسبب جريان السيول فضلاً عن الذين ذهبوا ضحية غدر الماء وقرباناً للتهور وسوء الطرق وأفخاخ وكمائن (الحُفر) التي لا ترى!! لكن كل تلك العتمات كانت إلى حين، نعم إلى حين، فها هي جامعة جازان تحتضن اليوم أكثر من 46 ألف طالب وطالبة في 17 كلية تضم أكثر من 100 قسم بتخصصات نوعية كما ذكر معالي مديرها في تصريحه الرسمي بهذه المناسبة. وها هم الكثير من أبناء هذه المنطقة الغنية بالخير والعلم والأدب والثقافة والفن والجمال، من الذين قد هاجروا منها واستقروا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً قد عادوا إليها أو أعادوا أولادهم لينطلقوا من جامعتهم الجديدة نحو المستقبل العلمي والمعرفي الذي رسمه عبدالله بن عبدالعزيز.
إنه عهد الخير، عهد عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، فقد بدأ عصر جديد هو عصر العلم والمعرفة بامتياز بفتح الملك عدداً من الجامعات الجديدة في مناطق المملكة ترتكز تخصصاتها على العلوم الدقيقة نظرياً وتطبيقياً، أيْ إنه لم يكن يهدف إلى البهرجة والكم بل كان يتطلع إلى النوع وما ينقصنا لننطلق بثقة نحو المستقبل ونأخذ مكاننا في العالم الحديث، عالم العلم والعقل والتقنية مع المسيرة البشرية إلى الأفضل. وتكفي جامعة جازان طباً وهندسة وعلوماً وما يتفرع منها من تخصصات عديدة عميقة يحتاجها المستقبل المنتظر، تكفي هذه الجامعة بفروعها التي تتوزع في مدن المنطقة الأكبر والأوسع، شاهداً على الأماني التي استحالت حقيقة على يد خادم الحرمين الشريفين الذي أكمل اهتمامه بهذه المنطقة العزيزة عليه، كما يقول ويصرح دائماً حفظه الله ورعاه في كل مناسبة يأتي فيها ذكر جازان، بأن اختار وعيّن لها بأمر ملكي كريم في 14 ذي القعدة 1428هـ الموافق 24 نوفمبر 2007م، مديراً يتوافر على الكفاءة والخبرة والحيوية والحماس بالإضافة إلى ما وهبه الله مع كل تلك الصفات من بقية شباب واضحة على محياه، بالطبع أعني معالي البروفيسور الدكتور محمد آل هيازع الذي كان أهم وأجمل الهدايا التي منحها الملك عبدالله للمنطقة الأثيرة لديه "جيزان"، إذ كانت الانطلاقة الحقيقية للجامعة مع بداية مباشرته للعمل، وبالمناسبة فإن كاتب هذه السطور ليس له معرفة شخصية بمعالي المدير، ولم ألتق به من قبل، لكن عمله الكبير الذي قدمه في أقل من 3 سنوات حين سارع بتنظيم الجامعة وضم إليها كل الكليات المتناثرة هنا وهناك للبنين والبنات ووضع الهيكل التنظيمي لإدارات الجامعة وشكل القيادات الإدارية بشكل متنوع ومتناغم في آن معاً، فضلاً عن انفتاحه على كثير من المؤسسات العلمية والاقتصادية في الداخل والخارج وإدخال الجامعة في شراكات وتجارب مختلفة ستعود عليها مستقبلاً بالنفع والفائدة.
لقد أدخل مدير جامعة جازان هذه الجامعة الجديدة الموجودة في أقصى الجنوب في شراكات عالمية مهمة مكنت طلبتها المتميزين والنوابغ من الدخول في أرقى المؤسسات التعليمية في الخارج، كما أن الثمار قد أينعت بعضها حين شارك طالب الامتياز من كلية الطب بجامعة جازان الدكتور سلمان بن مفرح الغزواني عملياً ضمن الفريق الطبي المكلف بإجراء عملية فصل التوأم السيامي الأردني «محمد وأمجد» وكانت مشاركته لمدة ثلاث ساعات في المرحلتين الخامسة والسادسة بالعملية؛ من أجل فك العيوب الخلقية لأمعاء «محمد»، إضافة إلى إصلاح وترميم الجلد، كما ذكرت تقارير صحفية، وهي المشاركة التي تأتي تزامناً مع اختياره أفضل طبيب امتياز بقسم جراحة الأطفال في مستشفى القوات المسلحة بالرياض، علماً بأنه على وشك نشر بحثه العلمي الثاني في المجلة الطبية السعودية، وهو دراسة عن انتشار تضييق فم المعدة الخلقي في المملكة.
وعندما يدعو معالي المدير محمد آل هيازع النخب الفكرية والثقافية والإعلامية وجموع المسؤولين لحضور المناسبة، فليس لأنه يريد أن يستعرض بحدث يتكرر في كل مكان ولكنه يريد أن يقول إن ثمة جامعة تنمو وتكبر بعقول طلبتها وبتميزهم على الرغم من أن الجامعة لما يكتمل بناؤها بعد.
لقد توقعت، بل راهنت على نجاح الرجل بمجرد أن رأيته قبل سنوات وهو بين طلاب جامعته إلى جوارهم يطمئن عليهم في أهم فترة في دراستهم وفي اللحظة المصيرية بالنسبة إليهم لحظة وجودهم في قاعة الامتحان، فهذا لا يفعله إلا القليل وقد درست ودرس غيري في جامعات كثيرة ولم نكن نشاهد مدير الجامعة إلا مرة كل عام وتفصلنا عنه عشرات الأمتار حيث يجلس معاليه عاليا متربعا في كامل قيافته وقد تلحف ببشته متربعاً على منصة اللقاء السنوي في حفل مكرور وممل، لكن الوضع مع هذا الدكتور آل هيازع كان مختلفا ، لأن العقلية هنا مختلفة أيضاً ، فقد رأيته في قاعات الامتحان ورأيته في المناشط المختلفة للطلبة يشاركهم أعمالهم ويتحاور معهم وكأنه واحد منهم، بل إن أحد الوكلاء، عندما سألته عن أحواله قال لي "أية راحة فمن يعمل مع هذا المدير لا يعرف الراحة كل وقته عمل واجتماعات ووضع خطط واستراتيجيات وأفكار ومتابعة للتنفيذ" قلت قولوا ما شاء الله تبارك الله وادعوا له بالبركة في العمر والعقل وهذا الحماس الفريد ولا تفقعوا الرجل عيناً بل ادعموه وعاونوه فإن هو تعب وأتعبكم اليوم فلكي ترتاحوا مستقبلا وترتاح منطقة بأكملها.