كان البسطاء بيننا فيما مضى يـُضاعفون عدد أفراد أسرهم، حين يسألهم رجل التعداد ظناً منهم أن ذلك سيأتيهم بالخير العميم والمال الوفير، فيما كان البعض يزيد سنوات عمره للسبب نفسه. وبين أمية الماضي بالتعداد وأمية الحاضر بالتخطيط، تترنـُح التنمية المتوازنة أفقيا وتتعثر مشروعاتها رأسياً.
من أبرز عيوب خطط التنمية أنها أهملت مناطق الأطراف رغم أن الأرقام لا تكذب، ما اضطر تلك المناطق لهجرة أبنائها إلى المدن الرئيسة ولا تزال، بحثاً عن فرص تعليمية أو وظيفية أو تجارية أو غيرها. حتى إذا ما أفاقت تلك المدن ذات صباح، إذا بجامعاتها ومستشفياتها ومدارسها وخدماتها الكهربائية والمائية والاتصالية تعمل تحت ضغط أعداد هائلة من البشر، لا ينفع معها كمّ الخدمات فضلاً عن نوعها. فهبط مستوى الخدمات وانحسر مداها وأثـّر كل ذلك ماديا وأخلاقيا على ثقافة المجتمع بكامله، فضلاً عن عجز الأجهزة في التوسع بالخدمات وفي صيانة المشروعات وعن تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، إلى أن قام الملك عبدالله بن عبدالعزيز حاملاً مشعل التعليم الجامعي لكل المناطق فرفع عدد الجامعات من سبع جامعات معظمها في ثلاث مدن إلى اثنتين وعشرين جامعة في المناطق الإدارية الثلاث عشرة.
مشكلة البيانات الأولية مثل البيانات التي نتحصل عليها من التعداد العام للسكان في المملكة، أنها تتقادم بسرعة لسببين جوهريين: أحدهما ارتفاع نسبة المواليد حيث تعد نسبة المواليد في المملكة مرتفعة جدا بالمقارنة مع دول كثيرة، والآخر قصـْر مدة الخطة الخمسية (5 سنوات) قياسا إلى سرعة النمو السكاني وحجم الورشة التنموية التي تدور رحاها في أرجاء المملكة وبكافة القطاعات، فضلا عن حجم تأخر الإنسان مقارنة بالتقدم المادي الذي يعيشه هذا الإنسان في المملكة. هذا يدعوني إلى التساؤل عن سبب عدم وضع خطة للــ 50 أو للــ 25 سنة القادمة حتى لو بقيت الـ 5 سنوات لخطط مرحلية؟ لأن حجم التغيّرات المحلية والتغيرات الدولية والإقليمية يحتم علينا أن نرى ما ستكون عليه البلد وأبناؤها ومستقبلها ومصادرها وعلاقاتها على المدى البعيد.
الجانب الآخر، هو أن أي نتائج يتوصل إليها التعداد العام للسكان، ستكون محدودة التأثير ما لم توضع ميزانية الدولة تبعا لنظام المناطق لا حسب القطاعات كما هو معمول به الآن، وذلك لضمان الربط المباشر بين عدد السكان وموارد المناطق البشرية والطبيعية وخطط التنمية.
ثم إنني وبشفافية أتساءل: هل يوجد تخطيط مركزي؟ ثمة مشكلة في التخطيط ووضع الإستراتيجيات ورسم السياسات، ينبغي أن يكون تعداد السكان مع الدراسات المستقبلية منطلقا لأي عمل في هذا الاتجاه.
نريد أن نعرف من خلال التعداد العام للسكان حجم الفقر وحجم الأمية وحجم البطالة وحجم الإعاقات وحجم المساكن!
ونريد أن نعرف حجم العاملين في القطاع الخاص والعاملين في القطاع الحكومي! كما أننا نريد أن نعرف حجم التجارة وحجم الصناعة وحجم الزراعة لدينا، كي نحاسب الأجهزة المعنية في حينه على ما قامت به وما لم تقم به، استنادا إلى هذه الإحصاءات. نريد أن نعرف المناطق الطاردة لسكانها وأسباب ذلك. ونريد أن نرى توزيعا لمشروعات التنمية انعكاسا لحجم السكان وللخطط المستقبلية لكل منطقة استنادا لمقومات المناطق الزراعية والصناعية والتجارية والبشرية..
أخيرا، نريد جهة مؤهلة علميا ووظيفياً للقيام بالدراسات المستقبلية والتغيـّرات الديموغرافية والثقافية والمهنية. ونريد جهة مرجعية في وضع الخطط بعيدة المدى، ترسم السياسات وفقا للمتغيرات الداخلية والخارجية.