إنها قصة حكم الصك الشرعي الصادر مؤخرا في قضية عضل الجرّاحة السعودية المقيمة بدار الحماية منذ خمس سنوات وعضلها وأخواتها من قبل والدهن وقد كتبتُ عنها مرتين منذ سنتين؛ حين تحول الخاطب "فاعل الخير" إلى متهم لأنه بلغ حقوق الإنسان والشرطة عن حبس أسرتها لها في دورة المياه وضربها بأداة حديدية بعد استغاثتها به هاتفيا؛ ليتم الحكم عليه بالسجن سنة و200 جلدة بتهمة علاقة هاتفية غير شرعية؛ واليوم وبعد سنتين ضاقت بها السُبل؛ ويتزامن مع مقالي هذا التقرير الصحفي في "الوطن" الذي أعدّته الزميلة المجدّة نسرين نجم الدين وتابعتُه معها؛ ليخرج حديث الطبيبة عن معاناتها إلى الرأي العام والمسؤولين؛ وقد ضاع عمرها منذ قضيتها الأولى وهي في 34 سنة تُطالب بنزع ولاية والدها الذي يرفض تزويجها من غير القبليين وحتى القبليين بحجة أنهم ليسوا من "ذات الفخذ"؛ وتنتهي تلك القضية بتعهد والدها بتزويجها؛ ولا يلتزم بذلك.
وتعاود الطبيبة الكرة مرة أخرى مع المحاكم وهي في عمر 37 سنة؛ وهذه المرة من دار الحماية الاجتماعية التي أدخلت إليها بعد اعتداء أخيها ضربا بأداة حديدية بموافقة والدها؛ نقلت على إثره للمستشفى؛ وما أبشع الصور التي أرسلتها لي لمواضع الضرب بجسدها؛ فقط لأنها أصرت على الزواج؛ ولأن مصيرها انتهى لدار الحماية تمسك الخاطب برغبة الزواج منها؛ وأبت رجولته التخلي عنها رأفة بوضعها الإنساني كما أخبرني آن ذاك؛ فرفعت الطبيبة قضيتها الثانية تطالب بنزع ولاية والدها وتطلب تزويجها منه؛ وفي ظل وجود قرائن التعذيب الأسري والعضل الذي تعاني منه حتى أخواتها وبلوغها 42 من عمرها؛ تنتهي القضية ببرود بصرف النظر عن الدعوة في نزع ولاية والدها لتزويجها.
ولكم أن تتخيلوا لماذا صرف النظر عن دعوى المجني على عمرها؛ فبحسب ما صدر بصك الحكم الأخير الذي وصلني:(لأن ما ذكرته المدعية من اعتداء أخيها عليها لا يُبرر عقوقها لأبويها ولقوله صلى الله عليه وسلم :لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فالله ورسوله جعلا الولاية حقا للأب ولا يجوز سلبها منه بدون مبرر شرعي؛ وحيث لم تجد وسائل النصح والإرشاد للمدعية ولم يجد تخويفها بالله وبحقوق الوالدين (...) ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وخوفا مما لا يحمد عقباه ولذلك كله حكمت بصرف النظر عن دعوى المدعية تجاه أبيها ...).
يا الله رحمتك؛ كيف يصرف النظر عن القضية في ظل وجود قرائن التعذيب الأسري والعضل وإقامتها بدار الحماية خمس سنوات حتى الآن؛ أليس ذلك مبررا شرعيا لنزع الولاية ؟! هل 42 سنة من عمرها دون زواج ليس مبررا شرعيا؟! أي معاناة تواجهها المرأة السعودية في مثل موقف هذه الطبيبة؟! التي كانت من المتفوقات في تخصصها الجراحي حتى حصلت على (الماجستير) البورد السعودي والبورد البريطاني إلى أن منعها والدها إكمال دراستها! أي مرارة تتحول فيها المرأة من مجني عليها إلى متهمة بالعقوق؟! هل عليها التخلي عن الزواج كي لا تكون عاقة وتتحول للحرام؟! ألا يعتبر اعتداء أخيها ووالدها مبررا لخوفها من زيارة أسرتها؟ هل خوفها على حياتها عقوق؟! وهل "42 " عمرها الحالي يسمح بقبول تعهد ثانٍ من والدها بتزويجها من قبليين شرط ألا تتزوج رجلا غير القبلي!؟ يا الله رحمتك.