كالعادة تخرج علينا أصوات نشاز بُعيد كل كارثة يُسببها هطول المطر، وينفضح بها عوار بنانا التحتية ومشاريعنا الضائعة وأموالنا المهدرة والفساد الإداري والمالي، والخلل المريع في سير العملية التنموية في بلادنا! تـَنسبُ هذه الأصوات الكارثة لذنوب العباد ولغضب الرحمن على خلقه الفاسدين العاصين اللاهين العابثين . ولولا ذنوب أهل الرياض وجدة لما انفتحت عليهم أبواب السماء كالقرب، وسقطت على رؤوسهم كسف من المصائب والخسائر ما ظهر منها وما بطن!
وهنا تبدو الفرصة سانحة للخطاب الوعظي ليظهر تجلياته، وليـُفسر أسباب نزول الكوارث الطبيعية بالبلاد والعباد، وليـُزيـّف وعي الناس ويُعمـّق أزمة التخلف . وبدلا من توجيههم إلى عالم الشهادة للبحث فيه عن الأسباب ومن ثم الوصول إلى الحلول الناجعة حتى لا تتكرر الكوارث، يُحالون إلى المُسلّمات الغيبية ، فلديها دائما الشافي الكافي من الأسباب! ثم تـُحشد الأدلة وتُستحضر الشواهد للتدليل على حدوث المصائب بسبب الذنوب، ثم لا بد من التعريج على الابتلاء ومعانيه ووجوب الصبر على المصائب التي تحمص الذنوب وتمحق الخطايا وترفع المكانة عند الله تعالى . وبدلا من التوجيه إلى أهمية الأخذ بالأسباب، يتم تخدير الوعي بكلمات التصبير والمقولات الوعظية التي تدير دفة الانتباه وتحوله عن حقيقة الإشكالية ولبها إلى أقدار الله التي – ياللعجب - تصيب فقط المساكين " العصاة " والضعفاء " المذنبين"، ولا تمسُّ غيرهم! 
وحتى لا يذهب فكركَ بعيدا ، أيها القارىء العزيز، فالذنوب عند هذه النوعية من الوعّاظ لا تتضمن التقصير في أداء العمل وعدم الإتقان، ولا الإهمال والاستهتار بأرواح العباد ومُقدرات الأوطان، ولا الأموال الضائعة في مشاريع على الورق، ولا استغلال السلطة وفساد الكرسي، وليست بالتأكيد النهب وشفط الأموال، ولا الغش وعدم الأمانة! فالذنوب المقصودة هنا تتجلى في الجسد وتوابعه من لباس وتفاصيل شكلانية، والفضيلة تقتصر فقط على الجانب الأخلاقي الجنسي ولا علاقة لها بباقي القيم الجوهرية التي جاء الإسلام ليكرسها! وفيما يندرج تحت ذنوب العباد ومعاصيهم ممارسات شخصية  – مثل-  الاستماع للموسيقى أو عدم إعفاء اللحية وغيرها من الشكلانيات، لا يلقي خطاب -إحالة الكوارث للذنوب- بالاً لغياب الصدق والأمانة والإحساس بالمسؤولية، ورفض المحسوبية والاستغلال، وباقي القيم المتعلقة بفقه التعاملات، لتُقلب منظومة القيم ويحتلّ الهامشي والفرعي مكان الأساسي والجوهري! وكأن الإسلام جاء ليشذّب خزائن الملابس وآذان الناس عن سماع الموسيقى، لا ليهذب الأخلاق والتعاملات ويُكرس للعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة ويؤكد على أهمية عمارة الأرض !
نعم ما حدث ويحدث بسبب الذنوب، ولكنها ذنوب الفساد المالي والإداري، ومعاصي الجهل بسنن الله في الأرض، وعدم اتباع القوانين الصحيحة لتشييد الأنفاق والجسور، وذنوب إعطاء الرخص للبناء في مجاري السيول،  وعدم دراسة المشاريع والأخطار المحتملة في حال هطول الأمطار، وذنوب التقصير في أداء العمل، وذنوب بقاء ثلثي العاصمة بدون شبكات تصريف، وذنوب الفشل في إدارة الأزمات وعدم أخذ الاحترازات اللازمة، وغياب ثقافة المحاسبة والمساءلة! وسلامة الرياض وجميع مدن المملكة وسلامتكم!