ربما ـ دون قصد ـ يكشف موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الوجه الحقيقي للتعاون الثقافي بين دول المجلس، حيث ترد في الموقع معلومات عامة وبعضها مفصلة وبشكل بارز عن جميع أوجه التعاون السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي.. الخ، عدا التعاون الثقافي الذي يختبئ تحت عنوان أوجه التعاون في مجال" الإنسان والبيئة" ويظهر من الرصد الموجود في "أيقونة" التعاون الثقافي التذبذب الكبير في مواعيد الأنشطة "الدورية" فقد تشاهد ملتقى ثقافيا أو فكريا أقيم في سنتين متتاليتين ثم انقطع خمسا بعدها وعاد ليحيا من جديد ثم عاد للسبات، وكأن الأمر مرهون بمزاج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فمثلا الدورة الخامسة للملتقى الأدبي لدول مجلس التعاون عقد بمدينة أبها في 12 أغسطس 2009، ولم تعقد أي دورة جديدة حتى الآن ونحن في 2012، مع العلم أن الدورة السابقة لها (الرابعة) كانت في المنامة عام 2006..!! أي بمعدل ثلاث سنوات على الأقل بين الفعالية والأخرى وهو ما يحدث كذلك في معرض الفنون التشكيلية والخط العربي الذي عقدت دورته الأخيرة عام 2009. ولعل أبرز فعاليات يمكن أن تلمس فيها انتظاما جزئيا هي المهرجان المسرحي الذي كان بمعدل ثلاث سنوات ونظم في سنتي 2009 و2010.

ويبدو أن "الأحلام السعيدة" هي المنتج الأخير للنشاط الثقافي المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي، فكم من خطب سمعناها على مدار عقود من الزمن حول أننا مقبلون على عمل ثقافي مشترك، ومنها خطة التنمية الثقافية لدول مجلس التعاون، التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الثامنة (الرياض، ديسمبر 1987) ـ حسب ما ورد في موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ـ وبعد ربع قرن من هذه الخطة لم نر على أرض الواقع سوى ما معدله فعالية واحدة كل عام على مختلف الأوجه الإبداعية والفكرية والفنية والآثار.. الخ، فهذا المعدل ليس لكل فعالية على حدة بل هو لها مجتمعة.

وفضلا عن بعض المشاركات غير المنتظمة لفنانين وأدباء من مختلف دول المجلس في أنشطة وفعاليات تقام في إحدى دول الخليج العربي بحكم علاقات شخصية أو لشهرة المشارك على المستوى العربي، لا يمكن ذكر ملتقى ثقافي أو مؤتمر أدبي لافت ومنتظم يضم مثقفي ومبدعي دول مجلس التعاون (من الجنسين) على مستوى الدول وبرعاية من الأمانة العامة للمجلس. فالملتقيات التي توصف بـ"الخليجية" عادة ما تكون من تنظيم اتحادات أهلية كما يحدث في "ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي" الذي ينظمه اتحاد كتاب وأدباء الإمارات منذ عامين.

وجاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض الأخيرة للانتقال من مرحلة التعاون بين دول المجلس إلى مرحلة "الاتحاد" لتفتح أملا جديدا لتعاون ثقافي حقيقي بين الدول الست المطلة على الخليج العربي، وذلك من خلال فعاليات جادة فكريا تتعمق في بحث مشكلات ثقافية كثيرة مثل "الهوية" و"أبعاد الوحدة ومحدداتها الفكرية" و"تحديات التطرف" و"التنوع الفكري وأثره على التنمية الإنسانية" وهذا يبرز بشكل واضح في دول مجلس التعاون لأسباب أهمها الهجرة لها من مختلف دول العالم، وقد تطرح قضايا أخرى مثل "العلاقة بين الديني والسياسي" و"الفكري العام والسياسي"، وذلك ضمن استراتيجية في اختيار الضيوف والمشاركين الذين لهم ثقل حقيقي، فالملاحظ أن عملية الاختيار في الفعاليات الثقافية المشتركة "القليلة جدا" تخضع للعلاقات والمعرفة الشخصية أكثر من غيرها.