مرمى وزارة المالية واسع جداً وبلا حارس في الغالب، ولذلك فإن المتأمل وغير المتأمل عندما ينظر لهذا المرمى يجده مليئاً بالكور الملونة، بعضها سددها مهاجمون محترفون، وبعضها سددها هواه، وبعضها سددها عابرو سبيل، لأن هذا المرمى مفتوح على مصراعيه للجميع يسهل على كل من وجد تحت قدميه كرة يريد التخلص منها أن يضعها في المرمى الواسع المكشوف، واللافت أن فريق الوزارة المتخم مرماه بالأهداف يعطي الانطباع بالبلادة الشـديدة وعدم الاكتراث بالهزائـم المتكررة، فيبدو للجميع – كأمر طبيعي يتفق مع هذا السلوك – أنه هو الذي اقترف كل هذه الذنوب، لكن هـذا السلوك لا يخلو من استثناءات نادرة، إذ يحدث في النادر أن ينتفض فريق الوزارة عندما يجد ثغرة واضحة أمامه فيعبَّر من خلالها عن غضبه وعدم رضاه بهجمة مرتدة سريعة يسجل خلالها هدفاً صاعقاً في مرمى الخصم كما حصل في أحداث جدة عندما وجد كور النار الملتهبة تدخل مرماه بغزارة مثل غزارة السيول التي اجتاحت المدينة.. فقام بطريقة ذكية مغالطة بتسجيل هدفه الصاعق في مرمى الخصم عندما قال في رده الشهير إن ما تم اعتماده لمدينة جدة من مبالغ للسيول وللصرف الصحي أكثر مما تم اعتماده للمدن الأخرى بما في ذلك العاصمة الرياض، وكان هذا بلاشك هدفاً صـاعقاً لكنه تم بأسلوب المغالط لأن ما ذكرته الوزارة في ردها لا يعني أن ما تم اعتماده للمدن الأخرى كان كافياً أو حتى قريباً من الكفاية، وقد كتبت آنذاك مقالاً أوضحت فيه أن ما تم اعتماده لمدينة الرياض بعيد عن الحد الكافي وتساءلت عن أسباب كرمنا الكبير على المشاريع وتخلينا عن وسائل حمايتها من أخطار السيول وأوردت الأرقام وكانت جامعة الأميرة نورة أحد الأمثلة وكان عنوان المقال ((تكلفة جامعة الأميرة نورة وتكلفة تصريف السـيول بمدينة الرياض)) وطرحت من خلال المقـال الأسـئلة على وزارة المالية، لكنها كعادتها تركت الكـور تستقر في مرمـاها، وتركت الانطباع يتشكل لدى الرأي العام بإدانتها.

معالي أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف بعد تـلك العاصفة الممطرة عصر يوم الاثنين الماضـي التي لم تدم سوى ما يقارب عشرين دقيقة ومع ذلك فقد حاست مدينة الرياض وأهلها وسياراتها، وأربكت الجميع بمن في ذلك مسؤولوها لحد إغلاق الكثير من الشوارع الرئيسة في المدينة طيلة ليلة الثلاثاء والتوجيه بعدم الدراسة في اليوم التالي. أقول إن أمين الرياض بعد حصول كل ما حصل اتجه لذلك المرمى المكشوف الواسع (مرمى وزارة المالية) وقـذف فيه كرة النار الحمراء الملتهبة التي كانت ستحرق قدميه ويديه لو أنه احتفظ بها، وكـانت تسديدته على شكل قذيفة صاروخية من منتصف الملعب، إذ عزى ما حصل إلى ضعف شبكة التصريف وأن هذا يعود لعدم اعتماد المبالغ الكافية من وزارة المالية مؤكداً أن ((الأمانة طالبت ومازالت تطـالب بصرف الاعتمادات لمشاريع تصريف السيول، إلا أن الميزانية المرصودة للشبكة البالغة ثلاثة مليارات لم تعتمد ولم يصرف إلا 100 مليون ريال فقط)) ومع أن هذا الكلام الذي نقلته "الوطن" يوم الاثنين الماضي عن الأمين ابن عياف فيه خلط بين المرصود والمعتمد والمصروف وقد يكون الخـلل من النقل فإنه يوضح أن الأمـانة كانت تريد ثـلاثة مليارات ريال لتنفيذ شبكة تصريف السيول لكن وزارة المالية لم توفر لها سوى مئة مليون ريال، وكلامه يعطي الانطباع الواضح أن الأمانة قامت بما عليها لكن الـوزارة هي التي (قصّرت) بعدم توفير المبالغ الكافية أو حتى ما يقرب من الكفاية حـيث إن الفرق شاسع بين المليارات الثلاثة والمئة مليون، أي أنه جعل الوزارة بوضوح شـديد هي المسؤولة عما حصل وقد يحصـل من كـوارث محتملة في المستقبل عندما قال ((إن الأمطار لو استمرت فترة زمنية أطول لوقعت كارثة لا يحمد عقباها بسبب ضعف شبكات تصريف السيول)) الناتج عن عدم اعتماد المبالغ اللازمة لها.

طبعاً من الواضح الآن بعد حدوث كل ما حدث في جـدة منذ عدة أشهر ثم في الرياض منذ عدة أيام أننا نقيم المشـاريع العملاقة بعشرات المليارات ونبخل عليها بالوسـائل الضرورية التي لا تكلف إلا عشرات الملايين لحمايتها من خطر السيول وحماية الناس الذين يستخدمونها، ولذلك يحدث كل ما يحدث، فهل هذه هي مسؤولية وزارة المالية التي تُرفع لها المشاريع لاعتماد مبالغها، أم يشترك في المسـؤولية أولئك الذين يناقشون المشاريع مع الوزارة فيركزون على ما يظهر للناس.. بعكس ما يخفى من المشاريع تحـت الأرض كالصرف الصحي وتصريف السيول مع أهميتها البالغة، لكن من الواضح في رأيي أن أنفاق مدينة الرياض شاهد مهم على الخلل في تصـميم المشاريع وتنفيذها فيما يتعلق بتصريف السيول ولأهمية هذا فسيكون موضوعاً لمقال قادم، أما هذا المقال فيتعلق بما سـتفعله وزارة المالية بكرة النار الملتهبة التي وضعها أمـين منطقة الرياض في مرماها وحملها بها المسؤولية عما حصل وعما قد يحصل مستقبلاً من الكوارث لا قدر الله... هل ستجد الوزارة ثغرة فتنقض كما حصـل عندما تراكمت الكور الحمراء الملتهبة في مرماها بعد سيول جدة، أم إنها ستواصل أسلوب الصمت المعهود، فتترك الكـرة الحمراء في مرماها ليزداد انطباع المـواطنين إنها هي المسـؤولة عن كل ما حصل.