ابتدأ الباحث العميق الدكتور الشيخ أحمد قاسم الغامدي حلقة "البينة" في "قناة اقرأ" بطلب حوار بناء وهادف، وما يعلم أن الجهود مبذولة ومسبقة لنستمع لفقه خال من التفقه، وردح دراويش اتخذوا الاستهزاء والقدح منهجاً، لقـّحه بعضهم بجمل التكبر والتطاول، فمن فقيه متعصب، إلى داعية متهجم، إلى مُستعـْدٍ جاهل، ليـُفحمهم جميعاً باحث متزن متمكنٌ. تحية لباحث الحق وأهنئك بدرجة الإنسانية أولاً فأهلاً بك لأجلها، وبواقع درجتك العلمية التي فعلتها واقعاً ملموساً، لا كما شأن الغالبية مجرد شهادة سكولائية اجترارية، تفرز ألقابا منهمرة، تشبعنا بكثرتها وقلة منفعتها، ولأنك إنساني النزعة والفطرة وتبحث لأجل الحق، يدفعك إيمان التفاؤل بالإنسان وخيريته، لا إيمان التشاؤم بالإنسان وشروره، كانت لك من كل إنسان متفائل ألف تحية. حلقة "نساء المؤمنين ومعركة الاختلاط" تلخص من عنوانها ماهية علاقتهم بالمرأة والتي لا يرونها إلا شعار فضيلة ترفع رايته في معارك طاحنة. فالمعركة لأجل (الفضيلة = المرأة)، أما الذكر فلا فضيلة له! وبينما العنوان تتصدره نساء المؤمنين، إلا أن الحديث ذكوري بحت لا يسقى إلا بصدور الرعاء من جعبة ذكر أشغلته نار الفتن ما ظهر منها وما بطن، لينام ويصحو على هاجسها.
وكونه طالب علم وباحث على مستوى الوصف، طالب المشاركين بتناول شؤون المجتمع ومشكلاته بوعي واقعي، مستشهدا بنصوص اعتبارية كرؤية احتياطية برهانية. فالاختلاط مسألة اجتهادية فرعية، وليست كلية ولا قضية معتقد، لكنها معارك جدل ومعترك خصومة، كلما تعلق الموضوع بالمرأة أو كانت طرفاً فيه.
بيّن الدكتور سبب بحث المشكلة - وللآن - لدينا، بينما المسألة طبيعية للمجتمع المدني في زمن رسول الله عليه السلام لا إشكال فيها ولاريبة ولا سوء ظنون ولا اتهام. أي إنها لا تعتبر تهمة يقبض على الناس بسببها، وتحدى المشاركين بنص واحد من الشريعة يُحرّم الاختلاط، وتساءل سؤال المتمكن من منطَق استدلاله "هل كان ربنا نسيا؟؟!!" هل المجتمع المسلم بحاجة لمنع اختلاط لم ينه الرسول عنه؟! ونص: "فللمرأة أن تخرج للصلاة والعلم والعمل وإن مختلطاً، واختلاطها لا نص على تحريمه، في أي مكان كان وبأي مسافة كانت وفي أي زمان".
لكن أسلوب الجعجعة الذي تسمعه ولا ترى له طحنا تمثل في من ادعى 400 نص تحريم لم نر منها سوى واحد وعليه ما عليه، مؤكدا أنه لا يعني العرضي وهو خروج المرأة للشارع ومصادفة الماشين من الرجال.
أود حقيقة أن أشكر فقهاءكم المجمعين على إباحة العرضي، لحاجتنا الخروج/ للمستشفى والسوق، بارك الله في علمكم!
أما النجيمي فحقيقة أكنّ له الاعتراف بجرأته للمشاركة كحكم، بعد انتهائه من معركة اختلاطه "العارض"؟! أقلها ابتعد عن التمثيل بالكويت، ولو من باب أبعد عن الشر وغنّ له يا شيخ، لا كما جذبك الغناء له فتمايلتَ على أنغامه "المنكرة" والعياذ بالله في مخالطتك العارضة تلك؟! أما المجمع الفقهي الذي حرّم الاختلاط في ماليزيا كما يقول"الحكم" النجيمي فأمره عجيب. فمرة يجتمع لإباحة المسيار، وأخرى لتحريم الاختلاط! ألم يكن الأوْلى قلب الحُكمين، لتتسق الأمور وتستقيم! ولا تسأل عن ازدواج المنطق: "ورغم أن الاختلاط مسألة فرعية لكنه من القواعد العامة الكلية في الشريعة".. احترنا: قواعد، أصول، خاصة، عامة، فرعية، أصلية؟! حدّد موقفك! لكنها حيل الفقهاء.. لإعاقة الإنسان.
أما الحديث الوحيد الذي كرره الحمدان والمداخلون، فواحد من 400، وهو"استاْخرن فليس لكن أن تحققن الطريق". وهو من لفظه توجيه إرشادي لا يلزم كحكم مؤبد، وقد ضعـّفه الباحث الإنسان، مبيناً أن فيه ثلاثة رجال مجاهيل ولا يصح بناء الأخبار على مجاهيل. ويرد الحمدان حديث الشفاء ويضعـّفه لأن الشنقيطي "شيخه" يقول عنه لا يصح أن يظن بعمر أن يُولّي المرأة شؤون سوق الرجال. وهنا يُعارض الشنقيطي قوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"، فيُسقط ولاية المرأة التي نص عليها القرآن لأجل ظنه "الذكوري".
حَكمَ الحكم النجيمي بداية؛ أن الحمدان أصاب كبد الحقيقة، والحمدلله أنه أصاب كبدها لا قلبها وإلا لأغمي على الحقيقة من روعها!!
وينفي النجيمي أن يغضّ الرجل والمرأة بصرهما في اختلاط المجالسة، ربما حكمه بناء على تجربته الخيرية في الكويت؟! وإن لم يكن، فلعله يشرح لنا أمر الله بغض البصر، أهو على سبيل الممكن أم الاستحالة؟!!
وأورد "الباحث" أن غضّ الأبصار المأمور به، الرجال والنساء، محمول على التبعيض، "من أبصارهم" وهو ما كان دافعا للفتنة وا لافتتان، كإدراك بصيرة لظلال المعنى المحيط بالمعنى الأصلي، الذي يفقهه الفقيه الحاذق، كما دلل على جواز الاختلاط بأحاديث صحيحة/ سعفاء الخدين، والخثعمية، وحديث الدخول على المرأة المغيبة عن زوجها.
ستتعب أيها الشيخ لأنك تفكر في الإنسان، فهو رأس مالك، بينما الآخرون؛ المعارضون والمهاجمون، تشغلهم مسألة العصمة والحصانة والوصاية. تشغلهم مكانتهم وقدسيتهم. يشغلهم حجب المرأة ولا إنسانيتهم تجاهها. فهم لا يكادون يرونها سوى مُمسرحة بأفلام الشيطان وأحابيله، الأنثى صاحبة الكيد العظيم، التي تحيك المؤامرات، لإيقاع عقل الذكر ودهورة إيمانه!.. معركتك أيها الجاهر بالحق عظيمة، وكلما كانت المقاومة أكبر من التحديات نَصَعَ معدنك الإنساني أكثر.
ويأتي صوت المرأة مُداخِلة، تطالب بحماية المرأة، من ماذا؟ من الذئب "الرجل". والغريب رغم أنهم يعيشون دائما مع الحيوانات المفترسة في غابة أوهامهم، إلا أنهم لم يطالبوا يوماً بكبح جماح هذا الذئب الجائع دوماً، بدل أن يجلدوا الشاة صباح مساء، بل يطالبونها بمراعاة نفسية الذئب الوحشية وترك الطريق له مفتوحا.
التخبط يثبت أن هناك أزمة وعي وعلينا تحمـّل تبعاتها. أزمة علاقة بين الرجل والمرأة، أزمة ثقافة تراثية تصادم الواقع والتطور والنمو، تتلمس حاجات واقعنا من قرون سالفة، وواقع بدائي، ثقافة مستديرة نحو الماضي ومهووسة بالتهذيب الأخلاقي. وليته تهذيب يسعى لتربية ذاتية، إنما تهذيب وصائي يهدف لإحكام القبضة على الإنسان.
ابن رشد قاضي قضاة قرطبة وفقيهها، وفيلسوف الفلاسفة، ذهب في الاتجاه العقلاني الاروسطي لأبعد الحدود. فالحق لديه لا يضاد الحق، وإذا حدث أي خلاف يلجأ إلى تأويل الشرع. فقراءته ليست حرفية، إنما مجازية، فهل تعيبون ذلك عليه؟ أم يا ترى تقدحون في تنوع ثقافته، كما لمزتم تنوع تخصصات هذا الباحث الإنسان؟!
من مواقف المـُؤدلجين ضد الوعي الحديث: الكاهن "لوفيفر" الذي رفض التوجهات المتصالحة مع الحداثة التي اعتمدها مجمع الفاتيكان الثاني عام 1965، ففـُصل بسبب تشبثه بالمواقع التقليدية التي عفا عليها الزمن.
وفارق بين الفصل من أجل التشبث بالتقليد والفصل بسببه!