انصبت مخاوف السعوديين الصيف الماضي في أنفلونزا الخنازير وما يمكن أن تحصده من أرواح خاصة أن بلادنا مفتوحة للملايين من المسلمين القادمين من أصقاع الأرض للحج والعمرة ، وطلعت موجة هلع الأنفلونزا "الخنازيرية" وما تبعها من كر وفر وأخذ ورد وتصديق وتكذيب ، ورفض لأخذ التطعيمات وخسائر متكبدة وأدوية متكدسة ثم نزلت على مفيش!! لتتضح الصورة فلم تكن إلا زوبعة وباء آخر ، ينضم إلى إخوته وأبناء عمومته من أنفلونزا الطيور والعصافير وأدواء البقر والغنم ، يضخم من أرصدة مالكي شركات الأدوية ، التي تواطأت معهم منظمة الصحة العالمية قاذفة بالمخاوف والاحترازات والإشاعات ذات اليمين وذات اليسار في غفلة أو تغافل عالمي عجيب! واليوم لا تكاد تذكر الأنفلونزا "الخنازيرية" ، بينما تتكدس التطعيمات في مخازن الأدوية التي كلفت الدول العربية مبالغ وقدرها من الأموال، وطارت الطيور بأرزاقها وملايينها بل وملياراتها ، فالمحاسبة والمساءلة ليستا من مفردات ثقافتنا !
العجيب أن آخر ما توقعناه جميعا أن تصبح الأمطار – أبواب الرحمة ومفاتيح البركة – إلى فزاعة ترتعد منها فرائصنا خوفا ! "حوالينا ولا علينا " و" اللهم اجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب " دعوات صارت تتردد كثيرا على ألسنة السعوديين حينما تحبل السماء بتباشير مطر قادم ، أو تحمل نشرات الطقس لهم أخبارا عن عاصفة ممطرة ! والتشوف للمطر والحب المتجذر في نفوسنا جميعا للأجواء الغائمة والأمطار صار يشوبه الكثير من المحاذير والمخاوف ، فسيول جدة بضحاياها الذين لم تجف دماؤهم بعد لا تزال حية في نفوسنا ، والفساد الذي كشفت مستوره ومخبؤوه المطر في جدة العروس "المترهلة" لا يزال حديث الساعة وكل ساعة ، ولا يزال يكشف لنا اليوم عن أربعين مليونا مخبئة في سرداب كاتب عادل والبقية تأتي، وما خفي الله به عليم!
وقد سبق أن كتبت في هذه الزواية أن كل مدينة من مدننا مرشحة لأن تنكشف عوراتها وتبان سوءاتها عند أول سيل أو مطر يفاجئها ذات غفلة ، فالأمطار اليوم تكشف هشاشة وضعف بنانا التحتية ، والمطر الذي يسقط مدرارا في بلاد كإندونسيا -ولن أقول أمريكا أو أوروبا - لا تكاد تجد له أثرا بعد سويعات ، بينما يقلب المطر مدننا عاليها سافلها كاشفا فشلنا في إدارة الأزمات، والأخطاء القاتلة في الجسور ، وعيوب الأنفاق التي يعمل فيها التصريف – كما يبدو – بشكل عكسي لتتحول إلى مسابح للسيارات ومغاطس للحافلات يمارس فيها الهواة الأبطال عمليات الإنقاذ ! ولعل الحسنة التي خرجنا بها من أزمات المطر الأخيرة سواء في جدة أو في الرياض هو ذلك الوعي المدني الشبابي والإحساس العميق بالمسؤولية الاجتماعية ، فهم ليسوا شباب الكدش وطيحني بل شباب التكاتف والتعاضد والوطنية الصادقة !
نحمد الله أن جاءت على ما نتمنى وتوقفت الأمطار في الرياض قبل أن تحدث المزيد من الخسائر ، فالله وحده هو العليم بما كان يمكن أن يحدث لو استمر انهمار الأمطار ساعات أكثر ! ومع كل مطر سنظل نبتهل إلى الله "حوالينا ولا علينا" سائلين الله السلامة !