في كثير من الأحيان أتساءل عن السر في عشق مذيع قناة "الجزيرة" الفضائية أحمد منصور، الحديث المتواصل والمكرور عن الهزائم والفضائح "القومية"، التي مر بها العالم العربي خلال الخمسينات والستينات الميلادية، وما زال مسلسلها الجديد يكتب حتى الآن.
ففي البداية كنت ـ كما الكثيرين ـ أرى أنه "منصور" يعمل بشكل احترافي من خلال الكشف عن أسرار كثيرة ما زالت مجهولة للمتلقي العادي، كانت السبب الرئيسي وراء ما وصل له العرب من تشتت وتمزق، وأن أهم دور للإعلام المحترف، هو محاولة كشف الحقائق، من خلال الشهود الحقيقيين على تلك الأحداث، خصوصا الأحياء منهم، وهو ما أقنعنا به كمشاهدين، برنامج "شاهد على العصر" في بداياته منذ أكثر من عشر سنوات (على ما أعتقد). وبالتالي وضع "حقائق" تلك الحقبة أمام المواطن والحاكم العربي حاليا للاستفادة وأخذ العبر.
ولكن على قول المثل الشعبي (ما طال سمج)، فإن استمرار الحديث عن "انقلاباتنا" و"فتوحاتنا" من أجل القومية العربية لمدة عقد من الزمن في نفس المكان، تحول من بحث عن "الحقيقة" إلى بحث عن "الحقيبة"، حيث من الواضح أنه يظهر لنا كل يوم "متقاعد" جديد، يزعم أنه عاصر رئاسة فلان وقاد الانقلاب على فلان، وربما يعترف هذا الضيف لزيادة الإثارة وضمان مكافأة مجزية، أنه تآمر على الرئيس فلان من أجل "المصلحة القومية" ولإنقاذ البلاد والعباد من مصير مجهول، على الرغم أن لا أحد يشك في أن المؤامرات العربية، هي من رمى المواطن المسكين في غياهب السجون والفقر. فالمشكلة أن الباحثين عن الأضواء والمال ـ حتى وإن أصبحوا على حافة القبرـ تقمصوا دور الشهود "النزيهين"، أصحاب الأيادي "النظيفة" التي لم تتلطخ بالدماء إلا في حدود "ما يحفظ الكرامة العربية " وعلى المبدأ الفقهي "الضرورة تبيح المحظورات" كما قال أحدهم ذات حلقة، وهو يسرد دوره البطولي في انقلاب ما.
 والملفت للنظر أن الكل يشتم الكل، وهذا يشكك في صدق ما قاله الآخر، بل إن بعضهم يتهم الآخرين بـ"الكذب" و"تزوير الحقائق". فبمجرد أن ينتهي ضيف من الإدلاء بـ"شهادته على عصره"، يظهر لنا وجها خمسينيا أو ستينيا عتيقا، ينفي صحة "شهادة" الضيف السابق، ويحلف أنه صاحب "القول الفصل". وبين هؤلاء وهؤلاء ضاع المشاهد، وأصبح متفرجا على "فضائح" الأجداد وهو يضحك.