تعمل ميشيل دمسون أستاذة متعاونة في قسم اللغات بجامعة هاورد بواشنطن دي سي. تجـدها كل يوم في مقهى ستار بوكس وعلى طاولتها كتب مختلفة الأحجام، بين أناملها تتصفح كتاباً حتى تعتقد أنها تتنفس كلماته، وفي كل مرة تجدها مـُنكبةً دون التفاتة لأحد سوى لفنجان قهوتها الذي ترتشفه بسرعة وكأنه يـُعطلها!في ظهيرة يوم رأيتها تفترش الأرض ببساطٍ ألوانه تحمل خرائط زاهية وكأنها أطلس العالم وقد التف حولها أطفال من أعمارٍ مختلفة دون الخامسـة معها كتب وأوراق تقرؤها عليهم فتعلمهم القراءة تارةً وتنتقـل بأسـئلتهم ليتفاعلوا معها مشدوهين متسابقين إلى الإجابة، ومن ثم إلى شغف التفاعل والسؤال والاستثارة. ترى الفرحة في أعين والديهم الغارقين في صمت التفاؤل ومستقبل قراءة يقودون به العالم كما ذكر (فولتير)! تقول ميشيل: "إنني أقضي 3 ساعات يومياً مع الكتب وأطّلع على ثقافات الآخرين، فتجدني كل يوم أسافر على بساط ريح الكلمات إلى بلد أعتنق فيها ثقافاته وآدابه، وأتوقف عند بلد آخر حتى أحس أنني امتلكت ثقافات العالم. جعلني ذلك أؤمن بعملي في منظمة تطوعية، تزامناً مع يوم الكتاب العالمي. نحن نقوم بالاستعداد لهذا اليوم سنويا، فنفترش المقاهي يُشاركنا الأهالي بأطفالهم، لنحتفي معا بقيمة الكتاب وغرس حب القراءة". دولٌ كثيرة تقيم احتفالات للكتب وللقراءة، أهمها يوم عالمي سنوي تظهر فيه الكتب مرتديةً أبهى حلة ورقية لتجدها بين الأيادي مختالة في القطار أو الباص أو حتى في الحمّامات -أكرمكم الله-. تجد الكتب في الحضانات والمنازل لتصل إلى المقاهي بمتخصصين في تعليم القراءة عبر مؤسسات ثقافية ضخمة تنشر حب القراءة وقيمة الكتاب. وفي مسارح المدارس الأمريكية يقوم متخصص بقراءة نصوص للأطفال كل عام وتوزيع الكتب كهدايا ووضع أسئلة تعريفية ومهارية لها، يُعلم الطفل القراءة وقيمة الكتاب في العامين الأولين من عمره! وفي المنزل تقرأ الأم أو الأب لطفله ويُطلعه على الصور ويعلمه كيف يمسك الكتاب دون (تمزيقه) لتستقر في خارطته الذهنية مساحة لرؤية الكتاب وتخيله وتحسسه بالأصوات لترسخ العادة الإيجابية بحب القراءة ومعرفة الكتب. مر قبل أيام اليوم السنوي العالمي للكتاب وحقوق المؤلف والذي كرست فيه منظمة اليونسكو عام 1995، اليوم الثالث والعشرين من أبريل، تزامنا مع ذكرى يوم وفاة بعض الكتاب مثل شكسبير وسرفانتس وولادة وموت الكثير من المؤلفين الآخرين. وهو يوم يشهد فيه معظم دول العالم مع هذه المناسبة تنظيم عدد من الفعاليات والأنشطة لتعزيز دور الثقافة المقروءة في المجتمع.  ومع الأسف، نجد أنفسنا مُتجاهلين بل (مُغيّـبين) عن هذه التظاهرة الثقافية العالمية فلم تلتفت الجهات المعنية ولا النوادي الأدبية ولا الإعلام، بل ولا مكتباتنا الضخمة إلى هذا اليوم، ما يُفاقم ضعف القراءة وتعميق أسبابها. مشكلتنا ذات جذور وأبعاد متعددة. لا المؤسسات التعليمية تنمّي قيم القراءة والقراءة الحرة، ولا تشجع على التفكير المنهجي الحر لخلق ثقافة الإبداع بين أبنائنا من حيث المقررات والمناهج أو ترسيخ ثقافة القراءة أصلاً! وبعدٌ آخر نجده متغلغلاً يلامس مجتمعنا وأسرنا بعزلتها عن القراءة، فهي لا تفكرـ مجرد تفكير ـ بتشجيع أبنائها ليزداد خطر المشكلة في قوالب (توارثية)! ليكن ضعف القراءة بأنواعها مشكلة مستدامة تدق في وجهها نواقيس الخطر بأصواتٍ مُحذرة من الوصول للكسل الفكري والوهن التفكيري والإدبار عن تفهم المعرفة وصناعة الحياة. فماذا كـانت ستخسـر وزاراتنا في هذا اليوم بإقامة مهرجانات وتجمعات ثقافية وإدارة برامج ومسابقات، وعقد مؤتمرات وندوات مُكرسة للقراءات المتنوعة بكل الوسائل المتاحة لخلق تظاهرات ثقافية من شأنها تكريم مؤلفي الكتب بجميع التخصصات وتحفيز الفرد والمجتمع وحثه على القراءة؟ وماذا لو غادرت الكتب (غبار) جدرانها المعتقة في مكتباتنا لتغدو متنقلةً في كل مدرسة وحي وسوق؟ وماذا لو أقمنا عدة معارض للكتاب في كل مدينة، أم إننا اكتفينا بمعرض الكتاب السـنوي كبيضة ديك نعيش صراعاته أشهراً للعام التالي! يا وزاراتنا إنها الحروف والكلمات التي توقد شموس المعرفة للارتقاء الفكري ونتعلمها نطقاً وقراءة ورسماً لنصل بها إلى المعرفة، التي تحولها العقول إلى مستقبل عظيم، أو ظلام حالك القبح والملامح!
فمتى يأتي اليوم الـذي لايكفينا الكتاب به حياة واحدة كما ذكر العقاد رحمه الله؟