أيا غازي الليل.. كلّ الكلام رأى نحبهُ، وكل الكلام على بابكم تضوّر صمتاً، وفقداً كبيراً تمكّن منّا.. وحباً ورهبهْ! أيا غازي الليل، حرّك لنا بعض كفّك، نبرتك الحلوة البيّنات، وخمّن لنا قدراً لائقاً بالرجالْ، ثم قل للبنات؛ جميع البنات: أنا سيد الليل.. حتى يطيح جنود الهوى، أنا واقفٌ رغم أنف الثرى والسماء! أيا غازي الليل.. هيّا، وحطّ على نافذةٍ من غمام ونخلٍ وماء!.

مرةً ثانية يا غازي.. أمسّي وتمسي عليك صرخات الفلاحين في جنبات الدنيا، ونقول لك: لا بدّ أن أول شيء لمس هذه الأرض، وحط رجليه عليها كان مخلوقاً شديد الحميمية والوحدة. لم يكن له جسد، كان وقتاً له قدمان. نعم.. كان هو بذاته أول ثانيةٍ تقطر من جديلة هذا الوجود الليلي على تراب الأرض.. كان ذلك المخلوق ساكتاً ومليئاً بالانتظار، وكان اسمه "الفجر"، ولم يعرف حينها أنه الوقت الوحيد الذي أمكنه أن يسبق ضوء الشمس الفاتن. كان هذا في زمنٍ بعيدٍ جداً، عندما كانت الأرض قفراً من الأشياء والذاكرة!.

مرةً ثانية يا غازي.. لا بدّ أن ذلك "الفجر" عندما أحسّ بدفء الطين تحت رجليه في أول مسّة، بقي واقفاً بمكانه لزمن، وقبل أن يبدأ أول خطواته على الأرض تلمّس جنبيه، فوجد تحت أضلاعه اليمنى لفافةً شفافة.. فكّها فوجد في باطنها "الموسيقى" تحيط بها "حناجر" لا حصر لها، فرفع لفافته تلك في الجوّ، ونفضها بوجه الرياح.. وهكذا كان الفجر هو أول من ملأ الدنيا بالموسيقى والحناجر. ثم تلمّس جنبه اليسار فوجد تحت أضلاعه اليسرى "الشعر" وحواليه رؤوسٌ حرّة وقليلة، فسحب لفافته الأخرى برفق، ثم نفضها أيضاً في وجه الرياح والمطر.. وهكذا كان الفجر أيضاً هو أول من لوّن الدنيا بالكلمات والشعراء!.






http://www.youtube.com/watch?v=mxSguNUFqYY

مرةً ومرة ومرة يا غازي.. خطا الفجر خطوته الأولى، ومشى ومشى طويلاً حتى تآلف مع الطين والجبال والرمل، وأحب الوديان والبحر والعشب الأخضر، واطمأن إلى القرى كثيراً، وصار الفجر وهو ينزل على الأرض كل يوم كلما سمع حنجرةً تغني أو جبهةً تهمس بكلمة شعر، أو مشت إلى أذنية نغمة موسيقى، تذكر مكانها تحت جنبيه، وضمّها وقال لها "أنت من جنبي"..

يقول غازي القصيبي (بتصرف عابر): "لا تتبعوني، دعوني، واقرأوا كتبي، فبين أوراقها تلقون أخباري/ إن ساءلوكم فقولوا لم أبع قلمي، ولم أدنس بسوق الزيف أفكاري!".