تسلل مشروع "ساهر" بكاميراته الذكية بهدوء وثبات إلى شوارع مدينة الرياض. ومثل أي مشروع عملاق سيكون له خاسرون ومستفيدون.

أول الخاسرين سائقو السيارات الذين سيفقدون متعة حرية السير متى وكيف شاؤوا والوقوف أينما أرادوا. والحرية هي روح السعادة كما قالت المحكمة العليا الأمريكية في أحد أشهر أحكامها، ولكن حرية هؤلاء السائقين ثمنها حوالي خمسة آلاف قتيل ومائتين وخمسين ألف مصاب وعدة مليارات من الخسائر الاقتصادية كل عام.

وثاني الخاسرين شركات الأدوية والتجهيزات الطبية التي تملك مخزوناً ضخماً من أدوات تجبير العظام اعتماداً على افتراض أن حوالي مليون طرف ما بين يد ورجل قد تتعرض للتهشيم خلال السنة. ومثلهم شركات سمكرة السيارات ومستوردي قطع الغيار. ستتعرض هذه الشركات لخسائر مادية كبيرة ناتجة عن انخفاض جوهري في عدد الحوادث (هل من حقهم مطالبة العقيد عبدالرحمن المقبل بالتعويض؟). وأخيراً فإن من بين الخاسرين كاتب هذا المقال. ولن أورد تفاصيل أكبر حتى لا يُتهم مستشار قانوني بمخالفة قانون المرور.




وأما المستفيدون من المشروع فأولهم أولئك الذين كتب الله لهم بسبب المشروع حياة جديدة أو أنقذهم بسببه من إصابات دائمة وآلام مبرحة. ويمكن معرفة عددهم التقريبي من خلال التناقص المتوقع في أعداد وفيات وإصابات حوادث السير بعد تطبيق المشروع مقارنة بالأعوام الماضية. وثاني المستفيدين شركات التأمين، التي سينتقل إلى خزائنها ثم إلى مساهميها الجزء الأكبر من تكاليف علاج الإصابات وإصلاح تلف المركبات في الحوادث التي كانت ستقع لولا الله ثم هذا المشروع. وفي الختام أهدي هذه القصة إلى رواد المشروع: في شارع باريسي عتيق كانت تقف لوحة جميلة تشير إلى منع الانعطاف يميناً. وفي أحد فصول الربيع قبل ثلاثين سنة تسلل وشاح سندسي من دوحة قريبة فحجب وجه اللوحة (قبل منع الحجاب هناك)، وحصل سائق على مخالفة مرورية لعدم تقيده باللوحة فاعترض أمام المحكمة التي أنصفته قائلة إن نشر قانون المرور في الصحيفة الرسمية لا يكفي للوفاء بشرط الإبلاغ بالقوانين وفقاً للدستور وإنما يجب وضع علامة أو لوحة واضحة في كل موقع يكون محلاً لتصرف محظور على السيارات.

مبدأ اشتراط الإبلاغ قبل تطبيق النظام كفله النظام الأساسي للحكم في المملكة تنفيذاً لقول الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وأعتقد أن تطبيق هذا المبدأ الشرعي والنظامي قبل فرض الغرامات على المخالفات التي تكشفها كاميرات مشروع ساهر سيجعل متعهدي اللوحات من أكبر المستفيدين من المشروع.