في مفارقة بيئية من الطراز الأول تحولت اليابان التي احتلت موقعاً مرموقاً في الحفاظ على "مكنونات البيئة" إلى "مأساة عالمية" بعد كارثة طبيعية هائلة تعرضت لها في 11 مارس 2011 لتصبح أقرب إلى مدينة أشباح، في ذات العام كانت المملكة على موعد استحقاقي بيئي من الطراز الأول، تحولت فيه إلى "ورشة عمل" دؤوبة استمرت طيلة العام لتكون على موعد مع "تنمية خضراء" تنعم بها الأجيال المقبلة.

ربما لم تشهد المملكة من قبل هذا "التفاعل البيئي"، فأضحت محفلاً ومنبراً بيئياً عالمياً في 29 مايو 2011، حيث تواجدت فيها "أحزاب الخضر" المنتشرة على مستوى العالم، التي تؤسس اتجاهاتها السياسية على السياسة الخضراء الصديقة للطبيعة، مثل حزب الخضر الألماني، وحزب الخضر الأوروبي، وحزب الخضر الأميركي، وحزب الخضر المصري، وحزب الخضر للتقدم التونسي، إضافة إلى خبراء البيئة الذين اجتمعوا في المنتدى الدولي للبيئة والتنمية المستدامة الخليجي الثاني بجدة، والذين أطلقوا على 2011 لقب "عام السعودية البيئي".

الحائز على جائزة نوبل للسلام في 2007 الوجه البيئي العالمي الدكتور موهان موناسينجي كان له حضور مميز من المملكة التي نادى من أراضيها إلى حماية البيئة في العالم، ودعا إلى التنمية المستدامة، مندداً "بسياسات بعض الدول المتقدمة صناعيا" في عدم محافظتها على البيئة، مطلقا دعوته إلى أن "المحافظة على البيئة يجب أن تكون من بين الأولويات العالمية في المرحلة المقبلة".

على مستوى الصحافة السعودية راجت مفردة "بروتوكول كيوتو" التي لم يكن لها حضور بين جداريات "الصحافة المحلية"، رغم توقيع المملكة عليها في 31 يناير 2005، إلا أنها أضحت اليوم مـدخلاً لتأسيس ما يمكن أن يطلق عليه بـ"الصحافة البيئية" السعودية، وهي اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي، والهادفة إلى مكافحة وتقليص إصدار الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

وفي السياق المتصل كان الاهتمام الصحفي منصباً أيضاً على توعية المجتمع بأهمية المنازل الخضراء الصديقة، ومسببات ضعف الوعي الـبيئي، وإشكـاليات الغازات السامة على الحياة البيئية السعودية، وهو ما انعكس واقعياً من خلال وجه الـبيئة السعودية الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة الأمير تركي بن نـاصر الذي استحدث جائزة هي الأولى من نوعها في الإعلام البيئي على المستوى المحلي، تهدف إلى ربط وسائل الإعلام "كشريك استراتيجي" في تنمية الحس البيئي المجتمعي.

"تجمعنا المشاركة .. وتجمعنا طبيعتنا" كان مدخلاً حيوياً آخر قامت به جمعية البيئة السعودية للوصول إلى مكونات وشرائح المجتمع الـسعودي، فاستحدثت لقب "سفراء البيئة السعوديين" من رجال فن ورياضة وعلماء شريعة، وأضيف إلى ذلك تطبيق فكرة مدرسة "الحس البيئي"، وهي من البرامج البيئية التعليمية التي تهدف لتبني مدراس المملكة سياسات الإدارة البيئية داخل وخارج محيط المدرسة بالتعاون مع المجتمع المحلي، لتعليم ترشيد استهلاك الطاقة واستهلاك المياه، والتخلص من النفايات، وتعميم برنامج إعادة التدوير في المدرسة.

مفصل آخر راج وسط الشارع السعودي كان بطله الشباب الذي أبدى اهتماماً ملحوظاً بحماية بيئته، خاصة بعد الكوارث الطبيعية التي ضربت بعض دول المعمورة بما فيها بلده، فالشاب الذي لم يتجاوز العشرين عاما عبدالله حـسن الباروم والمشارك دوماً في عمليات التنظيف التطوعية البيئية على محاذاة كورنيش جدة يشير في حديثه إلى "الوطن" أن عام 2011 كان الأبرز لديه في تعميق "الوعي البيئي" من خلال الحملات البيئية المختلفة التي شاهد إعلاناتها في شوارع مدينته الساحلية.

وقال باختصار "أصبحنا نفهم معنى التحديات البيئية، وبعد أن كانت القضية نخبوية أصبحت شعبية بامتياز، لأن قطار التنمية الخضراء مر من السعودية".