نشرت الصحف المحلية دراسة صادرة عن مكتب الدراسات "بوز أندكومباني" وركـّزت الأنظار على جزئية تحدثت عن وجود (1000) سعودية من حملة الدكتوراه عاطلات عن العمل، وانبرى الكتاب والمعلقون وعابرو المنتديات وكل من له علاقة بالمرأة السعودية والمجتمع السعودي وتحولت تلك الجزئية غير الصحيحة إلى مادة دسمة لتحليل واقع التعليم وسوق العمل والبيئة الاجتماعية والعادات والتقاليد وقانون العمل وتحديات عمل المرأة. وحسناً فعلت وزارة العمل حين قامت بمراجعة البيانات المتوافرة لديها ومراجعة ما نشر وخاطبت شركة "بوز أندكومباني" صاحبة الدراسة، التي سارعت إلى إبداء أسفها على ما نشر، مُعترفة بعدم استنادها إلى مصادر حقيقية للمعلومات، واكتفت بالتأكيدعلى خطئها المنهجي الذي ارتكبته الدراسة باعتمادها خبرا نشرته صحيفة إلكترونية، واعتذرت للوزارة عن ذلك.

وهنا يثور التساؤل لمصلحة منْ أعدت شركة "بوو أندكومباني" تلك الدراسة وما أغراضها مما انتهت إليه؟ الأهم هو الدلالة على واقع العمل المهني في البلاد وفي جميع الأعمال الاستشارية من محاماة ومحاسبة وإدارة وطب وغيرها من التخصصات، التي تخرج بين حين وآخر بدراسات تحليلية لواقع معين يحمل في طياته كثيرا من الفواجع غير الحقيقية تثير الهلع والبلبلة في المجتمع وتجعل من الموضوع المطروح أزمة ومأزقا اجتماعيا يُحاكم فيه التعليم والعادات والقوانين والمؤسسات الحكومية والخاصة. وفي الواقع الحقيقي نجد أن هناك فجوة مهنية خطيرة نـُعاني منها في المجتمع تستوجب وقفة تأمّل ومراجعة حقيقية من قبل الهيئات المهنية المتخصصة، مثل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والهيئة السعودية للمهندسين وجمعية الاقتصاد السعودي والجمعية السعودية للإدارة وهيئة التخصصات الصحية وهيئة الصحفيين السعوديين ونتطلع لانضمام الهيئة الوطنية للمحامين إليهم قريباً. وقد لا نلوم الهيئات الحكومية في التعاقد مع مثل تلك المكاتب العالمية، لأن اسمها هو الجاذب ونحن المتخصصين نعلم بأن مكاتبها في وطننا مكاتب تسويق وترويج وتوقيع عقود، أما المطبخ العملي الحقيقي فهو في دبي أو البحرين أو القاهرة أو بيروت، يقوم عليه أجانب وإخوة عرب بعيدون عن واقع المجتمع السعودي، بل إن بعضهم يحمل أفكارا سلبية مسبقة عن كل ما هو سعودي، ما يـُؤثر بصورة سلبية كبيرة على قراءة الواقع وتحليل معطياته، خاصة إذا ما كان يتعلق بالمجتمع وعاداته وتقاليده، بل وحتى مبادئه الدينية.. وأقول بألا نلوم الجهات الحكومية ولا القطاع الخاص في الاستعانة بالمكاتب الأجنبية لأننا لم نوجد ولا نجد المكاتب الوطنية المؤهلة للعمل الضخم والجاد من حيث النوع أو الكم. فجميعنا يعلم ما مكاتب المحاسبة العشرة التي تستحوذ على (75%) من الخدمات المحاسبية، وما الشركات الخمس في الاستشارات المالية التي تستحوذ على (70%) من الأعمال وما مكاتب المحاماة العشرة التي تستحوذ على (90%) من أعمال البنوك والاستشارات المالية ومشاريع الخصخصة والبنية التحتية الضخمة من طاقة وغاز وبترول وبتروكيماويات معظمها أو (99%) منها ذات الشريك الأجنبي والإدارة الأجنبية التي قد تصل إلى حد التستر المهني في بعض الحالات.

إن ما سبق بعيد من الإعلام الذي يبحث عن الإثارة في أخباره، بعيد عن الطرح الموضوعي الجاد. فعند نشر تلك الدراسة أو غيرها يتم البحث عن كل ما يصطدم بالعادات والتقاليد أو الشواذ من الحالات الفردية لتعميمها. فبعد أن كان الإعلام سلطة رابعة بدأت مختلف فئات المجـتمع بالضجر من الإعلام وعدم قدرته أو تمكنه من مجاراة مناخ الإصلاح والتجديد والتصحيح الشامل الذي نعيشه اليوم. فبدلاً من مناقشة الأسباب المالية والإدارية والفنية لتأخر بعض مشاريع البلدية أو صلاحيات المجالس البلدية والانتخابات، نجده يـُركز على طفح في بيارة أحد الشوارع. وعوضاً من التركيز على جودة الخدمات الطبية وسلامة المنشآت الصحية وكفاءة العاملين في المجال الطبي والصحي وأهمية التعويض والتأمين للحد من الأخطاء الطبية أو تأخر بناء المستشفيات والمراكز الصحية وعدد الأسرة المتناسبة مع عدد السكان، نجده يُـركز على خطأ طبي يحدث كل يوم ولن يتوقف كما في العالم، وهو ما جعل وزير الصحة يوجه دعوة إلى وزيري العدل والإعلام لمنتدى يناقش الإعلام والصحة. وعوضاً عن تركيز الإعلام على مشروع خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم وتخصيص سبعة مليارات لهذا المشروع، نجده يركز على خطأ أو تجاوز لقاض هنا أوهناك، سيظل قائماً حتى بعد اكتمال أعمال مشروع تطوير القضاء، لأن هذا من طبائع البشر. ولذلك دعا معالي وزير العدل إلى منتدى عن الإعلام والقضاء. وحتى في الوسط الرياضي فقد خرج الإعلام عن المألوف والمتاح والمسموح في النقد ليهدد الأمن الوطني للبلاد فكان ميثاق الشرف الذي أعلنه سمو الرئيس العام لرعاية الشباب وسعيه الكبير لإنشاء اتحاد الإعلام الرياضي لتصحيح وتطوير مسار الإعلام في المجال الرياضي.




الإعلام شريك لشرائح المجتمع كافة. ولعلي أكرر ما قاله رجل الأمن الأول في البلاد سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الداخلية في مؤتمر الإرهاب عندما علـّق على أحد الأسئلة قائلاً حفظه الله: (إن الإعلام مؤثر في كل مجتمع ولا أحد يشك في تأثيره وقدرته، ولكن ماذا سيحقق.........

..... نحن نرحب بالنقد ولكن النقد البناء الذي يعتمد على الحقائق ونناشد كل ما هو في مجال الإعلام أياً كان موقعه أن يتحمل مسؤولياته ويكون عاملاً قادراً في هذا المجال أو يترك هذا العمل لغيره. إن العصر عصر علم ، فإذا كان من يكتب عن الطب أو الزراعة أو الهندسة يستعين بصاحب اختصاص، أقول للجميع علينا أن نحرص ونعمل على أن يكون إعلامنا بمستوى تطلعاتنا ومسؤولية الإعلاميين كبيرة أمام الله ثم أمام الوطن وأبنائه جميعاً). وهذا ما يتفق تماماً مع ما جاء في المادة الثالثة من نظام المطبوعات والنشر، التي تؤكد بأن من أهداف المطبوعات هو نشر الدعوة إلى الدين الحنيف ومكارم الأخلاق، والإرشاد إلى كل ما فيه الخير والصلاح ونشر الثقافة والمعرفة. ولذلك فإن على المؤسسات الصحفية مسؤولية كبيرة في تأهيل وتدريب العاملين من مراسلين ومحررين وكتاب، كما جاء في المادة الخامسة من نظام المؤسسات الصحفية التي تؤكد على أن تخصص نسبة كافية من الأرباح المتحققة سنوياً لأغراض التدريب وتوفير وسائل التقنية الحديثة اللازمة لتطوير العمل الصحفي. وعلى وزارة الثقافة والإعلام التي نشيد بحراكها الكبير على المستوى الثقافي والإعلامي بجميع فئاته، أن تعمل على تشديد العقوبات الواردة في نظام المطبوعات والنشر وخاصة الواردة في المادة الخامسة والثلاثين، فيما يخص نشر خبر خاطئ بأن تصحح ذلك بنشره مجاناً، بناء على طلب صاحب الشأن في أول عدد يصدر بعد طلب التصحيح وما جاء في المادة الثامنة الثلاثين من أن مقدار الغرامة لمن يخالف النظام لا تتجاوز خمسين ألف ريال. فالمرحلة تحتاج إلى إعلام حقيقي يستحق أن يكون سلطة رابعة لا سلطة جعجعة.

وإلى لقاء قادم نذكر فيه بالسياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية الصادر بها قرار مجلس الوزراء الموقر.