ألا تلاحظون معي أن مجتمعنا هو الوحيد من بين المجتمعات العربية الذي يناقش قضية الاختلاط ! بينما انتهت بقية المجتمعات منه ، أو أنها لم تناقشه أصلاً ، لأن فقه الواقع قد حسمه منذ سنين عديدة . ففي الدول المجاورة لنا في الخليج واليمن ، يجري الاختلاط فيها بشكل عادي . وفي الدول الأقدم انفتاحاً على التحديث مثل مصر ، ينتشر الاختلاط في المجتمع فتجد المرأة المحجبة متواجدة في بيئة العمل مع الرجل من غير خلوة ولم نسمع أن علماء الأزهر الشريف أفتوا بما يخالف فقه الواقع . فهل اجتمعت غالبية هذه الأمة على خطأ ، أم نحن المجتمع الوحيد المنفرد ؟ الذين يـُعارضون الاختلاط ، يقفون دائماً خلف ستار أسود ويطلـّون منه على المصطلح من الجانب المظلم ، وهو الخلوة المحرمة. بينما يحجبون الرؤية عن الجانب الطبيعي فيه الذي هو ( الحضور العلني ) للمرأة .. ومشاركتها في مؤسسات المجتمع ، لتقضي حوائجها وتسعى لرزقها وتخدم مجتمعها من غير خلوة . هذا الحضور مارسه المسلمون على مدار التاريخ واصطلحوا على تسميته ( المرأة البرزة ) . وبالتالي يتضح أن عدم فهمهم لتنظيم الإسلام لهذه الطبيعة ، أدى إلى التباس الأمر عليهم . فمن غير المعقول مثلاً أن يـُحرّم الإسلام الخضوع في القول لو لم يك الاختلاط موجودا .. ومن غير المنطقي أيضاً أن يفرض الحجاب لو لم يُمارس الاختلاط في الحياة العامة . بهذا المفهوم الطبيعي ، فإن الدعوة للاختلاط تعني العودة إلى تعزيز التعامل الحضاري مع المرأة وتنظيم مشاركتها في الحياة العامة وحمايتها ممن يحاول استغلال هذا الحضور للتحرش بها. وبالتالي يتضح أنها لا تعني السفور ولا الخلوة .على العكس من ذلك لو أطلقنا الحرمانية بالجملة على عموم الاختلاط في سياقه الطبيعي ، معنى ذلك أننا حكمنا على 90% من الاختلاط العلني في مناشط الحياة العامة في بقية الدول العربية بالحرام !
لأن المعارضين لمفهوم الاختلاط العلني لا يريدون بحث فقه الواقع ، فسوف يظلون يسمعوننا في كل يوم مجموعة من الآراء والفتاوى الغريبة . وبالتأكيد سوف يتراجعون عنها كما حصل في فتاوى تحريم تعليم البنات وتحريم التليفون والتليفزيون والتعليم في الخارج ! لذلك إذا لم يُحسم الأمر من خلال مشروع حضاري لتقديم الحلول من فقه الواقع ، فسوف يستمر مسلسل الفتاوى الغريبة التي تزيد من الاحتقان والتحزب . وعندئذ ليس غريباً أن نسمع من ينادي بعمل جسور للنساء عند رمي الجمرات بحجة اختلاطهن عند الشيطان في الحج أسوة بدعوة هدم الحرم لمنع الاختلاط عند الطواف .