لا أعتقد أن أي خبير في العلوم والتقنية يمكن أن يقول أو حتى يقتنع بأن دور "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" هو مراقبة الأهلّة التي لم تستطع، لأسباب لا تـُسأل عنها، أن تقوم به كما ينبغي حتى الآن، ولا مراقبة المواقع في الإنترنت لحجب ما ينبغي حجبه منها، ولا الدعم المالي لبحوث أساتذة الجامعات التي يـُفترض أن تكون الجامعات هي الداعم لها، ولا دعم أبحاث العلماء الألمان وغير الألمان في تقنية "النانو". ولكن الخبراء وحتى غير الخبراء في العلوم والتقنية يُدركون أن دور "مدينة الملك عبدالعزيزللعلوم والتقنية" الرئيسي، الذي فشلت في أدائه حتى الآن، لأسباب لا أستطيع الادّعاء أني أعلمها، هو مجالات الطاقة المتجددة وأهمها الطاقتان الشمسية والذرية.
عندما تم إيجاد المدينة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً تَم زفّها لنا أو هكذا (فهمتُ) على أنها القوة الهائلة التي ستفجر لنا مناجم الطاقة الشمسية في صحارينا المشمسة لنكون سادة تلك الطاقة، بعد أن تأفل شمس الطاقة البترولية التي نحن سادتها، وبأنها هي القوة التي ستدخلنا فاتحين لنادي الطاقة الذرية بما يتلاءم مع مكانتنا الدينية والسياسية والاقتصادية.
وبدأت المدينة بالفعل مزاولة هذه الأنشطة بحماس واهتمام، حيث زاولت نشاط الطاقة الشمسية في منطقة "عقربا" في الشمال الغربي لمدينة الرياض، وبدأت نشاط الطاقة الذرية عبر إدارة متخصصة، وأنشأت لهذا الغرض "معهد بحوث الطاقة الذرية"، و"معهد بحوث الطاقة والقرية الشمسية". ولكن مع الأسف، مع مرور الوقت، بدأ الحلم يتبخر تدريجيا حتى صحونا على الحقيقة. وأتذكر أن الدار دعتني لزيارتها بعد واحد من مقالاتي العديدة التي كتبتها عنها. وقد فوجئت بعد أن أبديتُ للإخوة المسؤولين في الدار اهتمامي بنشاطها في الطاقة الذرية ورغبتي في زيارة الإدارة المختصة بهذا النشاط، أنهم بدؤوا يتحدثون معي بما يُشبه الوشوشة، وكأنهم يعتبرون هذا النشاط من المحرّمات. وتعجبتُ، ثم زال هذا العجب حين زرتُ الإدارة المختصة، ولم أشاهد إلا مكتب المسؤول الذي دار بيني وبينه حديث بار يُوحي بأنه ليس للدار أي نشاط حيوي في هذا المجال.
الآن، وكما سمعتم وقرأتم ورأيتم، صدر الأمر الملكي الكريم بإنشاء "مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة" بالحيثيات الواردة في الأمر، وهي حيثيات مشروعة ولا يختلف عليها اثنان. ولكن هذا يعني، وكما يبدو، أو على الأقل من وجهة نظري، أنه لم يعد هناك حاجة لبقاء مدينة ضخمة مثل "مدينة الملك عبدالعزيزللعلوم والتقنية" بمقرها الاستراتيجي الواسع، ومبانيها العديدة، وبحيها السكني الكبير، لتزاول فقط صرف الدعم المادي لأبحاث روتينية يـُفترض أن مراكز البحث العلمي في الجامعات هي المسؤولة عن دعمها خاصة بعد أن أصبحت الكراسي تتوالد كالأرانب، أو لتراقب المواقع الإلكترونية، أو لتحاول مراقبة الأهلـّة. ولا أدري ماذا ستعمل في "معهد بحوث الطاقة الذرية" التابع لها، ولا معهد بحوث الطاقة والقرية الشمسية في العيينة بعد أن أصبح هذان النشاطان ليسا من اختصاصها.
منذ أكثر من عشر سنوات كتبتُ مقالاً عنوانه (شكراً)، والشكر في المقال مُوجّه لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي كان وقتها ولياً للعهد، وسبب الشكر أني لاحظت أنه (أي خادم الحرمين الشريفين ولي العهد آنذاك) دَرَجَ على تسمية المشاريع التي يتبناها وينجزها باسم والده الملك عبدالعزيز. وقد تأثرتُ عاطفياً من هذا الإيثار، وقلت في المقال إني أحبّ الملك عبدالعزيز كثيراً ليس لأنه ملك عظيم فما أكثر الملوك العظماء، وليس لأنه بطل فما أكثر الأبطال في هذا العالم، وليس حتى لأنه وحد مناطق مشتتة وقبائل متناحرة وأوجد وطناً كبيراً عظيماً فما أكثر من وحدوا، وأوجدوا الأوطان العظيمة، ولكني أحبه لأنه هو ومن تآزر معه من أبائنا وأجدادنا هو السبب – بعد إرادة الله – فيما أنا فيه أنا وأولادي وأسرتي وأقاربي وأبناء وطني من وضع أمني جيد ووضع معيشي كريم.
ولأني أحب الملك عبدالعزيز ربما بقدر أقل بكثير من حب الملك عبدالله لوالده، فإني أشعر الآن صراحة بالأسى لأن تلك المدينة التي باسمه والتي عقدت – أنا شخصياً على الأقل – عليها الكثير من الآمال لتحقيق أهدافنا الكبرى في مجال الطاقة الذرية والشمسية وكتبت الكثير من المقالات أحثها فيها وأطالب بأن تمارس دورها الأساسي كما ينبغي، أشعر بالأسى لإحساسي بأني فقدت الأمل في أن تشفى هذه المدينة من مرضها وتنهض على قدميها بعد أن تأكدت أنها وصلت إلى المآل الذي أصبحت فيه في حاجة ماسة لمن يطلق رصاصة الرحمة عليها.
لقد أثبت خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد وبعد أن آلت إليه أمور البلاد بعد وفاة أخيه الملك فهد – رحمه الله – أنه قائد إصلاحي مخلص محب لوطنه ومواطنيه وحريص على عزتهم وكرامتهم، وأثبت وهذا هو بيت القصيد أنه يحب والده الملك عبدالعزيز ويقدره كثيراً ويحرص على أن يبقى هو الرمز الكبير الذي لا يمس، وموقفه هذا هو الذي جعلني أتأثر عاطفياً وأكتب مقالي (شكراً). وها أنذا الآن أتأثر عاطفياً مرة أخرى وأنا أتأمل في حال "مدينة الملك عبدالعزيزللعلوم والتقنية" الآن. وهذه الكتابة العاطفية ليس لها علاقة أساسية بطبيعة نشاط الطاقة الذرية وغير المتجددة ولكن لها علاقة فقط بمدينة تسمى باسم المؤسس الملك عبدالعزيز، وهي لا تمارس إلا أدواراً عادية يُمكن ببساطة أن يقوم بها غيرها دون الحاجة لأن يُصرف عليها ما يُصرف، ودون إبقاء تلك المساحات الكبيرة من الأرض وتلك المباني العديدة، وهذا الحي السكني الكبير من أجلها.
كلما كان الجهاز الذي يـُسمى باسم رمز وطني كبير فاعلاً مؤثراً يـُقدم خدمات جليلة كبيرة للوطن، كان ذلك إضافة للرمز وتقديراً له وأكثر مدعاة لحبه وعلو قيمته في النفوس والعكس بالعكس. ولهذا فالحاجة الآن - كما أرى وقد يرى غيري غير ذلك – ماسـّة إما لإطلاق رصاصة الرحمة أو لتعزيز الدور بما يتناسب مع مدينة باسم رمزنا الكبير الملك عبدالعزيز، رحمه الله.