ويسألني عن سر الإحجام الطويل عن الكتابة عن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني فأجبت: لن أخوض في الملف الذي لا أعرف، ولا أملك له المعلومة الواثقة. ومع هذا أنا مؤمن أن هذه المؤسسة ضحية الانطباع، مثلما هي ضحية ثقافتنا الجمعية التي تزدري ثقافة العمل – باليدين – في سطوة عمل اللسان. المؤسسة ليست مسؤولة عن التوظيف لآلاف الخريجين بقدر ما تنحصر مسؤوليتها في التعليم والتدريب. المؤسسة ليست مسؤولة عن الجشع المخيف الذي ينافس سوق مخرجاتها الطبيعي لسبعة ملايين تأشيرة وافدة. المؤسسة ليست مسؤولة عن ثلاثة ملايين تقني وفني أجنبي يعملون – بالبرهان – خارج نطاق المهنة المستقدمين لها في الأصل. المؤسسة ليست مسؤولة عن ضياع 70 ألف وظيفة متاحة في قطاع صناعة – البلاستيك – التي قامت مصانعها بقروض من المال العام فلم تلد كل تلك المليارات من القروض فرصة توظيف وطنية حقيقية. المؤسسة العامة للتعليم الفني تنحصر مهامها في أبجديات التأهيل والتدريب، ومن لا يعلم، فعليه أن يعلم أن ذات المؤسسة تشحذ اليوم هذا القطاع الصناعي لقبول خريجيها المؤهلين في معهد متخصص، ومن لا يعلم، فعليه أن يعلم، أن هذا القطاع الصناعي وحده كاف لاستيعاب كل مخرجات الكليات التقنية لخمسة أعوام قادمة.
أنا أبداً لا أدافع عن المؤسسة ولكن قبل أن نحاكمها فمن العدل أن نحاكم معها كل الثقافة الاجتماعية المصاحبة. ثقافة العمل وثقافة الاستهلاك وثقافة المكاتب، وثقافة الاتكاء على المستورد وثقافة التستر التي لا ينجو منها دكان واحد في كل مدننا الصناعية. أن نحاكم الثقافة التي أفرزت لنا هذا القطاع الخاص الذي يربح المليارات ثم يستكثر ألفي ريال في جيب ابن البلد. ثقافة قطاع الصناعة الذي تعلمت فيه كل كتائب – الأمية – الصناعية حين أتت خاماً من كل حدب وصوب: السائق الذي يتحول نجاراً والمزارع الذي يعمل كهربائياً والراعي الذي تنقلب مهنته إلى صيانة الأجهزة ثم يحتج هذا القطاع الخاص الموبوء بالحجة البليدة أن خريج المؤسسة العامة لا يرقى إلى المعايير التي رقى إليها العامل الأجنبي.