كثير من البشر يأتون إلى الوظيفة ويرحلون، إما بالتقاعد أو بالاستقالة أو بالنقل إلى منطقة أخرى دون أن يحدثوا أي أثر خلفهم.. مجرد موظفين ـ مهما علت مراتبهم أو رتبهم ـ يأتون ويمضون إلى حال سبيلهم.. ولذلك فإن أبرز أسباب فشل جمعيات المتقاعدين في دول الخليج هي أنها تدار بأيدي وخبرات أناس لم يكن لهم أدنى تأثير خلال حياتهم الوظيفية.. الخبرات المتميزة والمسؤولون الأفذاذ المتقاعدون إما أنهم عازفون عن المشاركة فيها.. أو أن لديهم أعمالهم الخاصة.. أو لأن ثمة جهات أخرى في قطاع الأعمال استفادت من خبراتهم.. ولذلك لن تقوم لها قائمة طالما لم تستعن بالخبرات الحقيقية وبالمسؤولين المؤثرين.
الحديث اليوم عن المسؤولين الذين يحدثون أثرا في حياة الناس بعد رحيلهم.. هؤلاء يستحقون أن تكتب أسماؤهم بماء الذهب.. غير أن مشكلتنا ـ وهذه أقولها عن تجربة ـ لا نجرؤ بسهولة على الثناء على أي جهد لهؤلاء.. مهما كان مؤثرا.. وإن فعلنا نفعل على استحياء.. أي ثناء سيدخل صاحبه دائرة التزلف.. أو البحث عن منفعة شخصية.. أما إن كنت ترتبط بعلاقة بهذا الشخص فذراع الأمر ينتقل أوتوماتيكيا إلى خانة المستحيل.. من الصعوبة بمكان أن تمتدح شخصا تربطك به علاقة.. إما أن تفعل ولا تلتفت.. أو تنتظر أن يموت.. أو تضبط ساعتك حتى يخرج من دائرة العمل حتى تخرج أنت من دائرة الاتهام.. وهذا ما أفعله اليوم مع الأخ المهندس محمد عبدالهادي العمري.. رئيس بلدية رفحاء السابق.. الرجل الذي غادرنا تاركا خلفه عشرات الإنجازات حتى جعل من مدينتي إحدى أجمل مدن الشمال على الإطلاق.. رجل عملي وكفء ونزيه وصاحب قرار ويد نظيفة ـ ويشهد الله أنني شعرت بالحزن لخبر انتقاله.. الآلاف هناك على مدى الأيام الماضية يعزون أنفسهم برحيله.. لا أحد يلومنا؛ فنحن نخشى أن يحتل اللصوص مبنى البلدية.. العزاء الوحيد أنه انتقل للعمل "أمينا لمنطقة تبوك".. تهانينا لأهل تبوك.. نقولها ونحن نعض أصابع الحسرة!