القادة العظام في حياة الأمم والشعوب هم الذين يتقدمون بمجتمعاتهم نحو مدارج التطور والتنوير وفق الرؤية التي تواكب العصر وتحافظ في ذات الوقت على خصوصية المبادئ والقيم، وهذه هي القاعدة التي سار ويسير عليها قادة المملكة منذ عهد الموحد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حتى يومنا هذا في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، فلكل من ملوك المملكة السابقين بصمته التي تعبر عنها منجزاته خلال فترة حكمه في ضوء ظروف ومتغيرات ومتطلبات عصره وفي ضوء الإمكانات التي أتيحت له سواء كانت إمكانات اقتصادية أو اجتماعية أو تطورات علمية وظروف سياسية مختلفة، ولهذا فإن عملية الإصلاح والتطور في المملكة عملية تراكمية يضيف فيها اللاحق إضافات نوعية إلى السابق مع الحفاظ على الأسس والثوابت المنصوص عليها باتفاق.
إننا عندما نصف عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بزمن الإصلاح والتطوير والتنوير والتقدم فإننا إنما نصف واقعا حيا تشهد به إنجازات الملك التنموية في شتى حقولها المعرفية والفكرية والمادية وهي إنجازات يلمسها المواطن والمقيم في الداخل ويعرفها العالم في الخارج، فنحن اليوم نعيش عصر القرية الكونية التي لا يخفى فيها شيء، والتي أدرك المليك أبعادها ومتغيراتها وعمل على تقديم ما يجعل وطنه مواكبا لتطوراتها ومتطلباتها، لكننا حينما نقول ذلك لا ننسى ما ذكرته أعلاه من أن عملية الإصلاح والتطوير عملية تراكمية مستمرة منذ تأسيس المملكة إلى اليوم وفق ظروف كل مرحلة ومتغيراتها ومتطلباتها، كما لا ننسى تلك القاعدة الذهبية التي وضعها الملك عبدالعزيز رحمه الله وطبقها فعلا، وسار عليها أبناؤه من بعده إذ يروي أمين الريحاني في كتابه عن الملك عبدالعزيز (ص 528) واستشهد بها الدكتور سحمي الهاجري في بحث عميق نشرته مجلة المعرفة أن الملك عبدالعزيز أبدل بيت الشعر القائل:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل مثلما فعلوا
حيث الاحتباس في أطر الماضي، إلى صيغة جديدة هي:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل فوق ما فعلوا
وبناء على هذه القاعدة نجح الملك عبدالعزيز في الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، ونجح أبناؤه من بعده في تطبيق هذه القاعدة التي تحافظ على المنجز وتطوره وتضيف إليه دون حرج في الإضافات النوعية المستجيبة لإيقاع العصر وضرورات التطور الطبيعي فالقاعدة تدعو اللاحق أن يفعل فوق ما فعل السابق لا مثله فقط.