على موقع إلكتروني واحد اجتمعت حفلة الشتائم في حق أحد المشايخ بعد أن طرح رأياً فقهيا يختلف عن الرأي السائد، ولست في مقام صاحب فتوى لأقف مع وجهة نظره أو في الاتجاه المعاكس. جوهر الفكرة اليوم يدور حول اللغة التي وصل إليها قاموس الحوار من هذا الانحطاط اللغوي. وفي تاريخنا وتراثنا الديني السحيق العميق مرت آلاف الأسماء من العلماء والفقهاء وسطرت آلاف الكتب التي تختلف مع بعضها البعض ولكن دون هذا الإسفاف الرخيص. مؤسف جداً أن تكون هذه اللغة دلالة عصر تصل فيه الألسنة والأحبار إلى مفردات مثل (المنافق، الكذاب، الجاهل، الدعيّ، الغشاش) وعلى صفحة إلكترونية واحدة. وبالطبع، نحن نعرف، أن أصحاب هذا القاموس الرخيص، ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة، يتجولون بهذه الكلمات في كل فضائية أو مطبوعة إلكترونية، فماذا ترك هؤلاء بعد هذه الألفاظ لمفردة – الأدب – في مصطلح أدب الاختلاف. وكما يقول المثل الآسيوي (اللسان البذيء سلاح العقل العاجز) فلماذا حين أخطأ ذلك الشيخ بالافتراض، لم يجادل هؤلاء بسلاح الأفكار والحجة بالحجة وأين هم مما يقرؤونه في بطون وأمهات كتب هذا الدين العظيم، لا من الجدال حول الفكرة، بل من الاقتداء بلغة هذا الدين السامية حين الاختلاف، ومن سنة نبي كريم لم يكن سباباً ولا شتاماً ولا لعاناً في كل ما تركه لنا من نهج أو منهج. تثبت هذه اللغة الموغلة في الإسفاف أن هؤلاء ربما قرؤوا ولكنهم لم يتعلموا من آلاف كتب الإرث الإسلامي العظيم ما هو أهم في الجوهر: أن هذه الآلاف من الكتب إنما تحفل بأبرز ما كان لهذا الدين العظيم من يسر ولين وهو يعطي في كل مسائل الاختلاف صورتين متقابلتين للمسألة الواحدة. اختلف علماء السلف الربانيون فيما هو أهم من قضية اليوم حتى حول فقه الأركان من صلاة المسافر وصومه وآليات إخراج بعض أنواع الزكاة ومواقيت بعض نسك فريضة الحج وأنواع الجهاد وأحكامه وضوابطه، ولكنهم – رحمهم الله – حين اختلفوا أنِسُوا للدليل ولتأليف الكتاب وللراجح والمرجوح ولضرب أكباد الإبل نحو الحقائق لا باتجاه الشخصنة اللغوية الهابطة. تسابقوا إلى تأليف آلاف الكتب ولم يتسابقوا إلى الفضائيات حاملين معهم خمس كلمات إلى خيمة – القدح والمراء – ليبرهنوا أن اللسان صورة العقل.