قرأنا خبر صحيفة " الوطن " عن المقيم العربي الذي اعترف بـ 200 اعتداء جنسي خلال خمس سنوات، وكشفته تلميذة صغيرة بعمر 8 سنوات، كانت من ضمن من يوصلهن بسيارته يوميا إلى المدرسة. وقد ألقت القبض عليه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد تلقيها بلاغاً من والد الطفلة، وذلك بعد أن أخبرت الصغيرة أمها بأن السائق كان يشتري لها الحلوى، ويطلب منها وضع يدها على أماكن حساسة في جسده.

كنت كتبت مقالات عدة في "الوطن" عن هذا الموضوع ، وأفتخر أني – بفضل الله- أول من وضع كتاباً عن التربية العاطفية والجنسية من منظور أخلاقي علمي، لمعرفتي بمدى حاجة الأسرة العربية لها، وقد شاركت مؤخراً بندوة عن التربية الجنسية في المدرسة، فكانت بداية مداخلتي أن التربية الجنسية يجب أن تبدأ من نعومة أظفار الطفل أي من الأسرة، وإلا فكثيراً ما يكون الوقت قد فات، كحالة الطفلة أعلاه أو كحالة الطفل الذي وصلتني بخصوصه رسالة إلكترونية، أقتطف منها أهم ما جاء فيها:

(قصة تروي لنا حكاية قتل البراءة.. حكت لي طبيبة تعمل في بعض مستشفيات المملكة قصتها بلسانها: في أحد الأيام ارتفعت حرارة طفلي الذي يبلغ من العمر 4 سنين، فأردت أن أضع له تحميلة، فخلعت عنه ملابسه وجعلته ينبطح على بطنه.. فأغمض عينيه بقوة إلى أن ذرفت دموعه! قال الطفل لأمه: ماما وقفي .... الله يخليك لا تسوي لي مثل ما يسويلي السواق الله يخليك ماما).




المعتدي هو السائق في القصتين، ولكن قد تقوم الخادمة بذلك لأسباب غير سوية أو بدافع الانتقام من الأسرة، وقد يكون المتحرش أو المعتدي هو أحد أفراد العائلة، كالأخ والخال والعم وهؤلاء ربما يشكلون النسبة الأكبر، وقد يكون الأب في حالات أقلّ، ومن الخطأ أن نطلق على الحالات التي يكون فيها المعتدي مُحرما للفتاة، مسمى زنا المحارم، لأن الزنا يكون بالتراضي بين الطرفين، وهو يحصل أحياناً في الأسرة، لكن الاعتداء الجنسي يجب أن يسمى اعتداء جنسيا. والتحرش هو شكل من أشكال هذا الاعتداء، لكنه لا يصل إلى الممارسة الكاملة، فطلب السائق الأول من البنت الصغيرة ملامسة أعضائها التناسلية هو تحرش، أما الصغير في القصة الثانية فمن الواضح أنه كان عرضة لاعتداء جنسي، غالباً ما يكون متكرراً.

توصيف الاعتداء وشكله وعلاماته على الطفل وتأثيراته القريبة والبعيدة، وحماية الناشئ أي الطفل والمراهق منه، كل ذلك موجود في كتابي (ألف باء الحب والجنس) ويمكن تنزيله من موقعي الشخصي مجاناً.ولكن هنا أريد أن أشير إلى بعض الأسباب الاجتماعية، وإذا سمحت المساحة فأرجو أن أتمكن من بحث العقوبة المناسبة.

في قصة ابن الطبيبة، أطرح سؤالاً شبيهاً بالسؤال الذي طرحه د. سلمان الهتلان في مقالته الأخيرة، وهو: هذه السيدة الواعية المؤتمنة على حياة الناس، إلى متى تبقى غير مؤتمنة على قيادة السيارة وبالتالي محرومة من توصيل أطفالها بنفسها؛ في نفس الوقت الذي تمتلئ شوارعنا بقيادة متهورة لمراهقين، وأحيانا أطفال لم يتجاوزوا العاشرة من العمر؛ وفي نفس الوقت –أيضاً- الذي يؤتمن فيه سائق على عرض بناتنا وأولادنا؟!

هناك بالطبع الأصوات الداعية إلى جلوس المرأة في بيتها، ولكنها نفس الأصوات التي يرفض أصحابها أن يكشف على نسائهم أطباء ذكور؛ فهل لهذا التناقض من حلّ؟ لا ننسى التحرش الجنسي الذي يحصل في محلات بيع الملابس النسائية خصوصاً الداخلية منها، والتي يوجّه فيها البائع إلى جسم المرأة نظرة تخترق ظاهر الثياب وتصل إلى الأعماق، ليقترح المقاس الملائم لها – بل- واللون والموديل، ناهيك عن حالات التحرش المعاكسة والتي تكون المرأة فيها قد خلعت برقع الحياء، في الوقت الذي تخفي وجهها ببرقع القماش، وإذا بها تطلب من البائع أن يجرّب الموديل على جسده، ظاهريا طبعاً، وهي دعوة مقنّعة إلى الفحش بها؛ وآخر الحالات التي وصلتني أخبارها عن بائع شاب تعرض لمحاولة استمالة من رجل وزوجته ليتقاسم معهما الفراش، حين صارحه الزوج أنه يشعر بأنوثته عندما يكلّمه، وأن زوجته لا تمانع بل ترحب، طبعاً، ما دام سوف ينالها من ..... جانب!

يجب أن نتكلم وبصراحة عن موضوع الضبط الاجتماعي والخوف على الهوية التي تحدث عنها الدكتور سليمان العقيل في حلقة (إضاءات). فأي ضياع للهوية أكثر من هذا ؟ ليس فقط الهوية الثقافية بل الهوية الجنسية؛ ثم كيف يكون الضبط الاجتماعي ممكناً إذا لم نتكلم بشفافية مطلقة ؟! السائق وجدت أفلام إباحية وصور لضحاياه في جواله، ليبتزّهن متى يشاء، فأين الرقابة الاجتماعية، وأين الضمير الأخلاقي، بعد أن "لحس" الجنس عقول بعضنا إلى درجة الهوس والجريمة؟

في كل حالات الاعتداء الجنسي التي يكون فيها المعتدي مؤتمناً على الناشئ يجب أن تكون العقوبة أكبر، والعقوبة يمكن أن تختلف بين من هو تحت العشرين وبين من هو فوق الأربعين . ولكن في حالة الشخص المؤتمن الراشد فلا حلّ له سوى السيف، أقولها وأنا أكره حكم الإعدام ، إلا للقصاص والإفساد، ولكنه إفساد في الأرض عظيم ما بعده إفساد!