هاجر مسلم إلى نيوزيلندا وتزوج هناك من القوم وصاهرهم وأنجب من المرأة ولدين أعطاهما اسم عدي وعدن. وبعد أن كبر الطفلان تصادقا مع أولاد عائلة أفغانية فرت من جبال الهوندوكوش وطالبان وبتريوس إلى جنات ذات معين في أقصى الأرض، حيث يحتاج الطيران 24 ساعة للوصول إلى تلك البلاد الجميلة في المحيط الهادي، ولكن الصدمة الثقافية كانت كبيرة حين شب الأطفال عن الطوق وبدأوا في توجيه الأسئلة الفلسفية الكبرى على عادة الأطفال؟ لماذا تحجبت الفتاة الأفغانية وعمرها ثمان سنوات، ما معنى الدين والحياة، لماذا أنت مسلم وماذا يعني الإسلام؟ حاول الرجل المشرقي أن يسرب لهم ما يؤمن به، ولكن ضغط المجتمع ساحق ماحق، فبقدر التسليم في المجتمعات الإسلامية لمفاهيم معينة لا نقاش فيها، بقدر النقاش فيها في مجتمعات غير إسلامية، حيث إن نظام الحياة في المجتمعات يخضع لمجموعة من المفاهيم التي لا تناقش كثيرا في العادة إلا سرا أو على استحياء أو بين محبي الفلسفة في دوائر مقيدة جدا.

وحين عرضت هذه الفكرة على شاب متفتح في مصر وقف مضطربا أمام هذا المفهوم، وقال: لماذا نصاب بالصدمة الثقافية في تلقي الأفكار الجديدة، وهذا الموضوع تناوله القرآن أيضا مع بعثة الإسلام، وقال: إن أهل قريش كانوا يناقشون النبي ويقولون له: إن ما تقوله شيء جديد غريب عجيب لم يقله أحد من قبل، ولذا فالأقرب لنا أن نبقى على ماوجدنا عليه أباؤنا وإنا على آثارهم مقتدون..

وأنا شخصيا وقفت طويلا أمام هذه الفقرة، وقلت في نفسي فعلا لماذا لا يرحب المجتمع بالأفكار الجديدة، خاصة الانقلابية منها الصعبة؟ ووصلت إلى فكرة استفدت فيها من عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري، وخلاصتها مقارنة بين العضوية والاجتماع الإنساني، فكما أن البدن لا يرحب بأي كائن غريب، كذلك حال المجتمع مع الأفكار الجديدة.

والجسم بهذا المسلك يتصرف بعفوية، ولكن بحكمة بالغة، لأنه لو رحب وتقبل كل جرثوم وخلية لما عاش ساعة من نهار، ولذا كانت أخلاط البدن الداخلية نقية تماما عقيمة معقمة، لا تسمح قط بنمو أي جرثوم وفيروس!

ومثلا فإن المصاب بالفشل الكلوي يرفض زراعة أي كلية له من أي شخص مع كل حاجته الماسة لذلك، ذلك أن التطابق في العضوية بين كلية المتبرع وجسم المتلقي يجب أن تكون من الكيفية بحيث يتشكل أقل رفض ممكن لها، وهو ما يفعله الأطباء قبل زرع الكلية، وهذا القانون يخضع له المجتمع أيضا؛ فلا يسمح لأي دعي بنشر أفكاره، ويحارب أي فكرة جديدة من أجل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي؛ فهو يكره التقلبات والثورات، والسبب في هذا التصرف بسيط، ذلك أن إنتاج ذاته الثقافية يضمن له تتابع الوجود والاستمرارية، خلاف الأفكار الجديدة التي قد تطوح به في مكان سحيق. وأمام هذا الجدل إما تحنط المجتمع وجمد ومات بالبرد والسكون، وإما تحرك ونما وناقش المسلمات واعتنق الأفكار الجديدة بدينامية حركية، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا.