على جانب من ضاحية منطقة تقسيم الحيوية الواقعة في الجانب الأوروبي من عاصمة بلاد الأناضول إسطنبول، يشدك الانتباه نحو أكبر سلسلة للبيع بالتجزئة في تركيا تدعى (LC Waikki Taha Holding)،التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال المقبل من الريف إسماعيل كيزسك الملتزم بالتعاليم الإسلامية، والتي تدفع 10% من أرباحها للأعمال الخيرية، فيما قدرت إحدى المجلات الاقتصادية المتخصصة تبرعات الشركة التابعة اكيزسك في عام 2010 بعشرين مليون دولار.

قصة كيزسك وأقرانه من رجال الأعمال المحافظين، تمثل وفقاً للباحث في العلاقات العربية التركية الدكتور محمد العادل "ارتكازا سياسيا واقتصاديا مهما" للسيرة الحاكمة للزعيم التركي رجب طيب إردوغان، الذي انتزع في 12 يونيو الماضي فوزاً بولاية ثالثة.

ويضيف العادل في حديث هاتفي من أنقرة أن:"الزعيم التركي الإسلامي واجه خلال السنوات الأولى من حكمه الذي انفرد به لزعامة تركيا منذ فبراير 2002، تشكيلاًَ"سياسياً واقتصادياً معقداً"، فعلى مدى عقود طويلة كان الاقتصاد التركي تماماً كسياسة البلاد يدار من قبل النخب العلمانية، إلا أنه كون جيلا جديدا من رجال أعمال ترعرعوا في بيئات فقيرة ومتدنية وأصبحوا يعرفون "بنمور الأناضول".



تشير معلومات صادرة من مركز رجال الأعمال والصناعيين التركي تخدم السياق العام للتقرير:"يتألف جيش الرأسماليين الذي كونه إردوغان من رجال أعمال محافظين يعملون بكد، مشكلين منظومة من مؤسسات الأعمال والشركات والمنظمات الدينية ترتبط فيما بينها بشبكة معقدة من أغراض الربح والإحسان في آن واحد".

وتشير أيضاً:"لم يكن كثيرون يتحلون بالشجاعة الكافية للذهاب إلى أنقرة لخلق روابط سياسية في حين كان التضخم مرتفعاً إلى درجة تمنع رجال الأعمال العاديين من الحصول على التمويل اللازم، وبعدها أصبحت أبواب الحكومة مفتوحة أمام جميع رجال الأعمال إلى أي فئة انتموا".

إردوغان وحكومته فتحوا لطبقة رجال الأعمال المحافظة، وخاصة المتناغمة مع توجهات الحزب الحاكم وأجندته السياسية والاقتصادية الباب واسعاً بهدف تذليل وتعزيز الصناعات التركية في جميع أسواق العالم، وخاصة في الرحلات التجارية، التي تقوم بها حكومة العدالة والتنمية لعدد كبير من البلدان، حيث أضحت متنفساً لرجال الأعمال المقبلين من الريف، الذين كانت دوائر الشركات في إسطنبول وأنقرة تستبعدهم، بل أضحى الرئيس عبدالله جول ورئيس وزرائه رجب طيب من أشد المنافحين عن أي معوقات تواجه فئة رجال الأعمال المحافظين حتى وصفوا بأنهم "يعملون بذهنية رجال الأعمال".

ويعكس التبادل التجاري الخارجي لحكومة إردوغان ركيزة مهمة لهذه الطبقة من رجال الأعمال،ويمكن الاستدلال بالزيارة الأخيرة التي قام بها وزير التبادل التجاري التركي ظافر كاغلايان في 23 ديسمبر الجاري لجدة خلال فعاليات منتدى الأعمال الدولي الإقليمي مع عدد كبير من رجال الأعمال المحافظين، والتي حث فيها الجهات الاقتصادية السعودية على ضرورة رفع حجم التبادل التجاري البيني إلى 20 مليار دولار في المرحلة المقبلة.

ويعد كاغلايان من مهندسي الرخاء التركي، الذي عزز صادرات تركيا إلى أنحاء العالم وفتح أمامها أسواقاً جديدة من خلال موقعه وزيرا للتبادل للتجاري".

إن طبقة رجال الأعمال المحافظين،التي يعتمد عليها إردوغان، يغلب عليهم "التوجه الإسلامي" وينتمون إلى مدرستين اقتصاديتين، الأولى جمعية رجال الأعمال الأتراك "الموسياد"،وهي مجموعة اقتصادية أسسها عام 1995 الزعيم الروحي للإسلام السياسي التركي الراحل نجم الدين أربكان، وبعد اختلاف تلميذيه جول وإردوغان معه، قررا التوجه بسياسات حزب العدالة والتنمية، وهو خليط من الإسلاميين مختلفي التوجه للتحالف أجندة الحزب الإسلامي الحاكم. ومن الأهداف التي تقوم عليها هذه الجمعية دفع رجال الأعمال الأتراك لتوسيع أنشطتهم التجارية الخارجية وتسويق بضائعهم.

فيما المدرسة الاقتصادية الثانية، التي تعتمد عليها حكومة إردوغان، والتي تكونت قبل 3 سنوات تقريباً تدعى "توسكن"، وتعود خلفيتها لجماعة النور، أكبر الجماعات الإسلامية في الجمهورية العلمانية، التي يقودها زعيمها الروحي الكبير محمد فتح الله كولن، وهي جماعة اقتصادية مقتصرة على أعضاء الجماعة والقريبين من دائرته الفكرية،إلا أن تحالفهم مع حكومة العدالة مرهون بحسابات الجماعة مع إردوغان.