لم يعد سراً أن المعرفة بجميع أوجهها ومستوياتها تُمثل حجر الزاوية والضمانة الحقيقية لنجاح المشاريع التنموية الشاملة والمستدامة لكل الأمم التي تنشد التطور والتقدم. ويبدو أن ثمة إجماعا يُثار منذ زمن بعيد في الدوائر العلمية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى المؤسسات التعليمية ، حول الحاجة الماسة لتطوير وإصلاح التعليم العام في هذا الوطن العزيز، الذي يستحق أن يكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة ، يُشارك بفاعلية في نماء وازدهار ورخاء العالم، بما يمتلكه من ثراء بشري وتاريخي وحضاري.

بهذه المقدمة أدخل إلى صلب الموضوع، وهو واقع التعليم في المملكة ، بعيداً عن الاتهامات والسجالات والتبريرات التي تضخها يومياً وسائل إعلام مختلفة حول هذا الصراع المحتدم بين رأيين أحدهما مُحبط متشائم، وآخر مُفرط في التفاؤل والثقة. ولكن ما فائدة مقال بسيط كهذا أمام معضلة التعليم الكبرى التي أشبعت نقداً وكتابة وتنظيراً، وألفت حولها الكتب والدراسات، وأقيمت من أجلها المؤتمرات والندوات. أظنه تساؤل في محله. لذا لن أخوض في ذلك الكم الهائل من الملفات الساخنة والشائكة التي أصبحت بتقادم السنين وترهّل الأفكار أقل وضوحا. ملفات مهمة مفتوحة منذ سنوات بعيدة. ملفات بعناوين كبيرة كالمناهج واللغط الدائر حولها، والمعلم بين التدليل والتأهيل، وتعديل المستويات بين مطرقة وزارة المالية وسندان البيروقراطية، والبيئة التعليمية والمبنى المدرسي وحركة النقل وضحايا الطرق البعيدة من المعلمات، وغيرها الكثير من التفاصيل القاتمة التي تؤطر المشهد التعليمي.

فقط أحاول أن أكثف الضوء قليلاً حول أحد تلك الملفات، أظنه الأمل الوحيد الذي ننتظره منذ زمن طويل لتطوير التعليم في بلادنا العزيزة، وهو"مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام" ، الذي أقره مجلس الوزراء قبل 3 سنوات وتحديداً في 24 /1 /1428 ، وفق خطة طموحة لتطوير التعليم العام اشتملت على مخصص مالي ضخم تجاوز التسعة مليارات ريال، ويُنفذ على مدى ست سنوات ، أنيطت مسؤولية تنفيذه بلجنة رفيعة. يهدف المشروع إلى إحداث نقلة نوعية للتعليم العام مبنية على استراتيجية تطويرية جادة وواقعية ترتكز على عدة محاور أهمها الإنسان السعودي باعتباره الثروة الحقيقة المُراد استثمارها، وعلى الاقتصاد المعرفي الذي يُعد المستقبل الحقيقي للتنمية الشاملة والمستدامة للوطن ، والجودة كمؤشر لقياس مدى التطور والتحسن المستمر، والتقنية وسيلة أساسية لإنتاج المعرفة وتطبيقاتها، والنظام التعليمي الحديث والمرن الذي يتفاعل مع متطلبات التطوير ويُسهم في نجاحه واستمراره ، واللا مركزية في بيئات العمل التربوي، والتقويم الشامل، والمحاسبة كذراع للشفافية ، والمساواة في الفرص، والعديد من الطموحات والتحديات والآمال التي يحملها هذا المشروع الرائد الرائع ، على المستوى العربي على الأقل.




منذ بويع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، في الأول من أغسطس 2005 ، وهو يقود حركة إصلاحية جادة شملت مناحي الحياة كافة. والملك عبدالله قائد حكيم يعي تماماً طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم ، فهو يُسابق الزمن يُريد أن تكون هذه "الطفرة" الاستثنائية وقودا لترسيخ مشروعه الإصلاحي الكبير. هذا المشروع الطموح الذي سيعبر بهذا الوطن إلى عصر التقدم والتحضر والرخاء. المشاريع والاستثمارات والمنجزات تمتد وتنتشر في كل الاتجاهات وعلى جميع الصعد. نحن بحق أمام حركة تنموية حقيقية لا تهدأ ، وقد اتضحت معالم ونتائج الكثير من هذه الحركة النوعية التنموية الشاملة.

بصراحة متناهية "مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام" يقترب من نهاية المدة المحددة ، والآمال الطموحة التي يعقدها المجتمع السعودي على هذا المشروع العظيم ، بالتأكيد ستواكبها على الأرض ، بعد ثلاث سنوات ، الإنجازات التنفيذية المتحققة ، التي سيلمسها المواطن في جميع نواحي حياته.