يرى بعض المراقبين أن المصالح المادية هي الرابط بين تنظيم القاعدة وبين عصابات تهريب المخدرات، فالأخيرة تغامر لدوافع مادية صرفة فيما الثانية تسعى إلى الحصول على مصادر لتمويل أنشطتها، وهذا الرأي صحيح في ظاهره لكنه عند التمحيص السياسي يتكشف أنه لا فرق بين العصابات المشار إليها وبين تنظيم القاعدة فتهريب المخدرات هو أحد التكتيكات التنظيمية للقاعدة وليست منفصلة عنها خاصة عندما يكون التهريب بهذا الحجم الضخم الذي كشفت عنه الأجهزة الأمنية السعودية وبتسهيلات تتم من أطراف أخرى فيها دول وتنظيمات. هدف تنظيم القاعدة سياسي يتمسح بالدين ويوظفه ويستغله أسوأ استغلال، وكما هو معروف أن هذا التنظيم قبل أن يعرف بهذا الاسم نشأ وتربى على نغمات التطرف الديني قبل أن يبدأ في تكوين تنظيماته السرية ويستقطب الشباب إلى صفوفها بطرق مختلفة أصبحت معروفة، وكل ذلك تم ومازال في سبيل تحقيق الهدف السياسي المتمثل في إسقاط النظام والاستيلاء على السلطة، وعندما تكشف الأمر ونجح رجال الأمن في كيل الضربات الموجعة لمن حمل السلاح وكشف الخلايا التي مازالت في طور الاستعداد والتهيئة، ونجح في قطع الإمدادات المهربة سواء كانت سلاحا أو أموالا، وتم تجفيف منابع الدعم الداخلي إلى حد كبير سواء كان دعما ماليا أو معنويا، عندما تم كل ذلك وجدت القاعدة نفسها في مأزقين، مأزق التمويل والتموين، ومأزق التجنيد من الداخل، فوجدت في تهريب المخدرات مخرجا تكسب به أمرين أولهما التضليل عن نشاطها فالمخدرات مشكلة عالمية كبرى وفي هذا فرصة لإقناع العامة والمخدوعين بلبوسها الديني بما يدفع التهمة عنها باعتبارها تتحدث باسم الدين الذي يحرم هذه الآفة، الأمر الآخر تحقيق هدفها داخل المملكة من عدة طرق تتجاوز مسألة الحصول على المال إلى إشغال رجال الأمن والدولة كلها بملاحقة شبكات التهريب والترويج ومعالجة الضحايا، من أجل إعطاء الفرصة لتنشيط مهمة التجنيد الداخلي مرة أخرى تحت غطاء انتشار المخدرات التي تعد من الموبقات ولا نجاة للنشء منها إلا بالاستجابة لصوت محاربة المنكرات الذي يتظاهر بالتقوى والغيرة الدينية فينقذ النشء من وحل المخدرات ليضعها في مستنقع التشدد، ومن أي الطريقين نجح التنظيم فهو نجاح يحطب في حبله، فانتشار المخدرات يخدمه ماليا ومعنويا، ماليا لتطوير قدراته، ومعنويا لاستغلال هذا الانتشار في التجنيد عن طريق الفكر المتطرف الذي يسعى لانتشال الشاب من وحل المخدرات ليضعه في مستنقع الإرهاب.

إنني أعتقد أن نجاح رجال الأمن في إحباط وكشف عصابات التهريب كان من أقوى الضربات الموجهة للتنظيم، سيما وهي تتزامن مع يقظة تامة لخلايا التنظيم ونشاطاته الأخرى في تهريب الأسلحة أو بعض عناصره، ومع أنني أعرف أن المقاومة الفكرية طويلة الأمد، وأعرف أنها الآن ليست في مستوى النجاحات الأمنية المحققة، إلا أنني متفائل بأن الاستراتيجية الفكرية القادمة مع ما تحقق من وعي عام بخطورة هذا الفكر حتى الآن، متفائل بأن يصبح الفكر المتطرف وما يقدمه من خدمات لتنظيم القاعدة سيكون أثرا بعد عين خلال سنوات وجيزة، وستعود مشكلة المخدرات إلى حجمها الطبيعي المعروف عالميا، بعد تجريدها من وظيفتها السياسية في بلادنا، وهي مشكلة ليست هينة لكن استغلالها على هذا النحو من تنظيم القاعدة يجعل كارثيتها أكبر وأعمق وأخطر.