توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما، مؤخرا لقانون التعاون مع الكيان الغاصب، يعبر من جهة عن مواصلة الإدارة الأميركية لسياساتها المتحيزة تجاه هذا الكيان، ومن جهة أخرى، يؤكد ما تحدثنا عنه مرارا وتكرارا عن عجز العرب عن إدارة الصراع مع هذا الكيان، وعدم قدرتهم على استثمار عناصر القوة المتوفرة لديهم. والتوقيع هو دون شك معلم آخر، من معالم التحالف الاستراتيجي، بين الولايات المتحدة والصهاينة.

لقد أكد الصهاينة، منذ تأسيس حركتهم في بازل بنهاية القرن التاسع عشر، براعة فائقة في نسج علاقات متينة مع القوى الكبرى، واعتبار الصراعات العالمية فرصا سانحة لتعزيز مواقع الحركة الصهيونية، بما يخدم هدفها في اكتساب أرض فلسطين، وتشريد شعبها. وفي خضم الحرب الكونية الأولى، وباستخدام ذكي لتلك العلاقات، وبالضغط على الحكومة البريطانية، أنجز الصهاينة وعد بلفور عام 1917، الذي وعد بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.

حين تراجع دور الإمبراطورية البريطانية، وبزغ نجم القوة الأميركية بقوة، انتقل الصهاينة بتحالفهم الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، عملت مختلف الإدارات الأميركية على إنجاح المشروع الصهيوني، وتذليل كل المصاعب التي تعترض طريقه.

فالرئيس ودرو ويلسون، صاحب المبادئ الأربعة عشر، والمدافع عن حقوق الإنسان وتقرير المصير للشعوب، رأى في وعد بلفور، مقدمة للاعتراف بحق تقرير المصير لليهود، وضغطا على حكومة كرنسكي الروسية، لتؤيد قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، مقابل تأييد اليهود الروس لهذه الحكومة. وكان دور الرئيس ترومان أساسيا في إقرار مشروع تقسيم فلسطين عام 1947م. وفي كل الاعتداءات الصهيونية على العرب، وضعت الإدارات الأميركية المختلفة ثقلها لمساندة العدوان.

وعند كل حملة انتخابات رئاسية، أصبح مألوفا، تزامنها بتعهد المرشح أثناء حملته وبعد فوزه بحماية إسرائيل، وضمان استمرار تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة. وضمن تلك التعهدات، العمل على حرمان الفلسطينيين، من نيل حقوقهم في دولة مستقلة، والتنكر لحق من شردوا منهم في العودة لديارهم.

وكان نجاح اللوبي الصهيوني، في الهيمنة على المفاصل الاقتصادية والإعلامية الأميركية، عنصرا فاعلا باستمرار في التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية. وقد أدى ذلك إلى شيوع قانون أميركي متعارف عليه، عند كل انتخابات رئاسية جديدة، خلاصته أن كل شيء ينبغي أن يكون متاحا للكيان الصهيوني. ولم يخرج الرئيس باراك أوباما عن هذا القانون، فأبجديات التنافس مع المرشح الجمهوري، ميت رومني تتطلب وعودا جديدة بمساعدات عسكرية ومالية وسياسية مفتوحة لإسرائيل، رغم حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها البلاد. في هذا السياق، يأتي توقيع الرئيس أوباما، لقانون تعزيز التعاون الأمني بين بلاده والكيان الغاصب لعام 2012، بحضور رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، ريتشارد ستون ورئيس "إيباك" الحالي لي روزينبرج وسلفه هوارد فريدمان.

أقر هذا القانون من قبل الكونجرس، بسرعة لم تكن معتادة، دون حد أدنى من النقاش الفعلي في مايو مقابل اعتراض صوتين فقط، هما المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري النائب عن ولاية تكساس رون بول والنائب عن ولاية ميشيجان جون دينجيل، وأقره مجلس الشيوخ بالإجماع في 29 يونيو. واللافت أن مكتب الميزانية بالكونجرس لم يقم بتقدير التكاليف المتوقعة والمتاحة لهذا القانون.

وفي معرض الدفاع عن هذا القانون، يذكر الرئيس أوباما بأحداث بلغاريا كدليل على أن الاعتداءات لا تزال تمثل تحديا لإسرائيل، ولذلك "ينبغي التأكد أن شعب إسرائيل لن يكون مستهدفا مستقبلا بأي هجوم إرهابي". وللتأكيد على هذا الموقف كلف وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا بزيارة للكيان الصهيوني، للتعبير عن تضامن بلاده مع إسرائيل وأن ذلك يعبر عن مدى التزام الأميركيين جميعا، ديموقراطيين وجمهوريين بأمنها.

ولا يفوت قانون أوباما الإشارة إلى المخاطر، التي يمكن أن تنتج عن التحولات الكبرى في المنطقة العربية، على أمن إسرائيل، معلنا التزام حكومته بمساعدة إسرائيل على الاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي وسط تحولات سياسية إقليمية متسارعة وغامضة. كما يتعهد بفرض الفيتو الأميركي على أي قرار في مجلس الأمن الدولي مناهض لإسرائيل و"دعم حقها المتأصل بالدفاع عن نفسها" وتوسيع التعاون مع إسرائيل في مجالي الدفاع والقطاعات المدنية، وتشجيع جيرانها على الاعتراف بحقها بالوجود كدولة يهودية. ويتضمن القانون لائحة من الإجراءات كالسعي لتعزيز القدرات لمواجهة التهديدات الناشئة وزيادة التعاون الأمني وتوسيع المناورات العسكرية المشتركة ومساعدة إسرائيل على تطوير وإنتاج أنظمة صواريخ الدفاع المشتركة، وبشكل خاص الأنظمة التي تدافع ضد التهديد الملح الذي تواجهه إسرائيل والقوات الأميركية بالمنطقة وتعزيز الجهود المتعلقة بوقف تدفق الأسلحة لقطاع غزة وتقديم فرص تدريب وتمرين إضافية في الولايات المتحدة للقوات الجوية الإسرائيلية. كما يركز القانون على أهمية التعاون الاستخباراتي بين البلدين. ويشمل القانون أيضا، إشارة واضحة إلى دور موسع للكيان الغاصب في الحلف الأطلسي، بما في ذلك الحضور في المقر الرئيسي للحلف والمشاركة في المناورات، بما يعني فتح الباب أمام دور لهذا الحلف، في حال تعرض إسرائيل لأي هجوم، وهذه فكرة طالب بها المحافظون في واشنطن منذ فترة طويلة.

من المؤكد، أن توقيع هذا القانون هو إعلان آخر على قدرة الصهاينة في تحقيق ابتزاز أكبر للإدارة الأميركية، وعجز العرب عن إدارة الصراع. لقد نجح الصهاينة في تشكيل لوبي قوي مناصر لهم داخل أميركا، وتمكن هذا اللوبي من التغلغل في الشأن الاقتصادي الأميركي، وهيمن على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، بما في ذلك أنشطة هوليود السينمائية ومحطات التلفزة الكبرى. وقد أسهم ذلك في تسعير الانحياز الأميركي لإسرائيل، لكن هذا الانحياز هو وجه آخر للعجز العربي عن صياغة استراتيجية عربية موحدة للتصدي له، رغم أن للأميركيين مصالح أساسية بالوطن العربي، يستحيل عليهم التفريط بها.