تحولت جلسة العلاقات والاتفاقيات الدولية إلى تبادل للاتهامات ما بين الجهات الحكومية تارة وما بين المحاضرين والمثقفين تارة أخرى، الأمر الذي دعا وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية والثقافية الدكتور يوسف بن طراد السعدون للرد على أحد المثقفين بالقول: "لا ترمي التهم جزافا، ولا تطلق اتهامات وأنت لا تعرف حقيقتها، وآمل من اتهم الوزارة بأنها غريبة عن الوطن أن يقدموا إثباتات على ذلك".

وجاء رد السعدون على مداخلة أحد المثقفين الذي وصف وزارة الخارجية بأنها "غريبة عن الوطن"، متحدثا عن عدم وجود أي أثر ثقافي في الوفود الدبلوماسية السعودية في الخارج، حيث رد السعدون بالقول: الوزارة تسعى لتشكيل هيئة استشارية تضم نخبة من مثقفي الوطن للاسترشاد بآرائهم في بعض البرامج الثقافية التي تنفذها الوزارة في الخارج. ولم يتوقف الأمر عن ذلك الحد بل توجه المثقف إلى السعدون عقب انتهاء الجلسة ليشكره على وصفه بـ"الجازف"، ليرد السعدون أن هذه حقيقة كل من يتهم دون برهان ودليل، ليصل الأمر إلا وصف المثقف للوزارة بـ"الجوفاء".

وشدد السعدون على أن المملكة تركز على عقد اتفاقيات عامة وواسعة وتترك البرامج المتفق عليها في الاتفاقية بالإضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات ونسيان تطبيق ما نصت عليه بنود الاتفاقية بعد التوقيع، وتابع: نفتقد لإستراتيجية واضحة تحدد مكانة المملكة ثقافياً على الصعيد المحلي، فكل وزارات الدولة تسير وتعمل على هواها فليس هناك برامج وإستراتيجيات موحدة لتنسيق جهود الوزارات على الصعيد الثقافي بشكلٍ يبرز المملكة بشكلٍ جيد في الخارج، فالجهود الحالية متنافرة وليست موحدة. وأوصى السعدون بضرورة تعزيز المملكة لحضورها المستمر في المشهد الدولي، لأن العالم أصبح قرية كونية صغيرة، وضرورة العمل على بلورة برامج تعاون تفصيلية شاملة ومتكاملة في المجال الثقافي توفر لها الموارد اللازمة وتقرن بجداول زمنية واضحة، وضرورة التركيز بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة على الجزئيات وليس الكل من خلال إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتنفيذ برامج متخصصة تتناول جزئية محددة في الشأن الثقافي.

من جانبه، أكد وكيل وزارة التربية والتعليم للعلاقات الخارجية السابق الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الشدي أن استثمار المملكة للاتفاقيات الدولية ليس بالشكل المطلوب، ويجب عليها مراجعة تلك الاتفاقيات في مرحلة إعدادها ومتابعة تنفيذها. وأفصح الشدي أن كثيرا مما يدور حول العالم في المجال الثقافي لا يزال غائبا عن المجتمع السعودي وعن وزارة الثقافة والإعلام التي من الواجب عليها متابعته أولاً بأول لتوفيره للمثقف السعودي للاستفادة منه، بالإضافة إلى أن ترشيح الكفاءات السعودية في المؤتمرات الدولية لا يزال دون المستوى ويواجه عوائق كثيرة، أغلبها خارج عن إرادة الدوائر الحكومية ويتعلق بالوضع الاقتصادي التي تعيشه المملكة. وأوضح الشدي أنه لم يعد بإمكان أي دولة أو أي مجتمع أن ينطوي على نفسه ويعتزل عن بقية أفرد المجتمع الدولي، مشدداً على ضرورة المساهمة في الحراك الإقليمي والدولي في مجالاته المتعددة وفي مقدمتها المجال الثقافي الذي يمكن من خلاله بناء مجتمع دولي متوافق متكامل. وأشار الشدي إلى أن بلدا كالمملكة وثقافة كالثقافة العربية والإسلامية يجعلان المساهمة في الحراك الثقافي الدولي أمرا مهما وواجبا، منوها أن مكانة المملكة الدينية والسياسية والاقتصادية ومخزونها الثقافي المهم تحملها مسؤولية عظيمة لتعزيز مكانة الثقافة السعودية بشكل خاص والثقافة العربية والإسلامية بشكل عام. وقال الشدي "لتحقيق هذه المهمة العظيمة لا بد من وضع تصور عملي في إطار إستراتيجية وزارة الثقافة والإعلام يتضمن الأدوات البشرية والإدارية والمالية اللازمة لتحقيق مثل هذه الطموحات".

وطالب الشدي بوضع تصور وخطة عمل واضحة ضمن إستراتيجية المملكة الثقافية تهدف إلى تعزيز مساهمة القطاع الثقافي السعودي بكل مجالاته وفنونه في الحراك الثقافي الدولي والإقليمي، مشيرا إلى ضرورة استثمار عضوية المملكة في المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالثقافة، كما طالب بإدارة عامة للاتفاقيات الثقافية الدولية، وإدارة عامة للمنظمات الثقافية الدولية والإقليمية وإدارة عامة للمؤتمرات والنشاطات الثقافية الدولية والإقليمية، وكذلك إدارة عامة للمعلومات الثقافية الدولية وإدارة عامة للتنسيق والمتابعة.

فيما وصف وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية سابقا الدكتور أبو بكر با قادر في ورقة العمل التي قدمها في الجلسة، الثقافة بـ"القوة الناعمة" في العلاقات الدولية والتواصل الفعال بين المجتمعات والأمم، وأنه بالرغم من امتلاك المملكة إرثًا ثقافيا كبيرا إلا أن هناك صورا نمطية سلبية تحول نوعا ما دون إبراز وتقديم هذا الثراء والتنوع على نطاق واسع. بينما كشف مدير الجلسة الدكتور زياد الدريس عن سوء التنظيم والترتيب للملتقى الثاني للمثقفين حين قال "أنا جئت من خارج المملكة وإلى ما قبل الجلسة بساعات لم يتصل علي أحد لتأكيد حضوري من عدمه، وهو ما يدل على إمكانية وجود خلل في الترتيب".

وقال الدكتور مسعد العطوي في مداخلته "أنتم هنا في ملتقى المثقفين السعوديين تمثلون أمراً رسمياً مختلفاً عن التعاون الشعبي بين الشعوب خارج أطرها السياسية، فنحن نتمنى أن نتواصل كشعوب لا كمنتديات رسمية، فيما دعا الدكتور محمد آل زلفة إلى ضرورة إعادة النظر في الجامعات السعودية كونها لا تسر، وإعادة النظر في إستراتيجياتنا الثقافية والفكرية وإنتاجنا الفكري.