أكتب هذا الأسبوع من مدينة "سالت ليك سيتي"، عاصمة ولاية يوتاه الأميركية، المقر الرسمي لمذهب المورمن، أو بدعة المورمن كما يصفها خصومها.

وبالإضافة إلى جمال طبيعتها الخلاب، تشتهر هذه الولاية بمحافظتها السياسية والاجتماعية، التي تتناسب مع توجهات مذهب المورمن، الذي يحرم ليس فقط الكحول بل القهوة والشاي والرقص والغناء، وتتمحور حياتهم حول الأسرة، وإن كان بعضهم يمارس تعدد الزوجات المسموح به في مذهبهم ولكنه يتعارض مع القانون الأميركي.

وتصوّت ولاية يوتاه عادة للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، ففي عام 2008 فاز المرشح الجمهوري جون ماكين بنسبة 63%، وفي عام 2004 حصل جورج بوش الابن على 80% من أصوات سكان الولاية.

ومنذ وصولي للولايات المتحدة قبل أسابيع لاحظتُ كيف حمي وطيس الحملة الانتخابية الأميركية، خاصة حملة ميت رومني، المرشح المحتمل للحزب الجمهوري، الذي شدد هجومه على الرئيس أوباما مؤخراً. وكجزء من حملته الانتخابية، سافر هذا الأسبوع إلى بريطانيا ليخطب ودها ويُظهر للناخب الأميركي إلمامه بالسياسة الخارجية، وإلى إسرائيل ليعيد تأكيد دعمه المطلق لها، وعلاقته الحميمية برئيس وزرائها، ويكسب أصوات الناخبين الأميركيين المناصرين لها.

وخلال تواجدي في ولايتي كاليفورنيا ونيفادا، لاحظتُ هذا النشاط الانتخابي المحموم، ولكن لم أر مثل هذا النشاط في جارتهما يوتاه، على الرغم من أن رومني يتبع مذهب المورمن وله سجل إيجابي في هذه الولاية، بسبب إشرافه على الألعاب الأولمبية التي نظمتها الولاية في عام 2004. وربما كان التفسير المنطقي لعدم وجود نشاط انتخابي ملموس في الولاية أن الحزب الديموقراطي قرر ألا يضيع وقته في محاولة كسب هذه الولاية التي تصوت للحزب الآخر عادة، فما بالك حينما يكون مرشح الجمهوريين من مذهب المورمن، مذهب الأغلبية في الولاية؟ وللسبب نفسه، لم يجد الحزب الجمهوري داعياً لبذل جهود كبيرة في يوتاه، التي ضمِن تصويتَ غالبيتها لصالحه، وفاءً لرومني.

وقد كثُر الحديث هذا العام عن مذهب المورمن لأنه مذهب المرشح الجمهوري رومني، ولو تم انتخابه فعلاً في شهر نوفمبر القادم، لأصبح أول رئيس من أتباع هذا المذهب.

وفي حين أن رومني معروف كرجل أعمال ناجح وحاكم لولاية ماسوتشستس، إلا أن القليل خارج الولايات المتحدة يعرفون الكثير عن انتمائه الديني، نظراً إلى أنه نادراً ما يتكلم عنه في حملاته الانتخابية. وحتى أولئك الذي يعرفون مذهبه، لا يعلمون أنه كان في الماضي مسؤولاً رفيعاً في الكنيسة، مثيراً للجدل أحياناً، قبل أن يدخل في عالم السياسة ويصبح حاكماً لولاية ماساتشوتس.

فعلى نسق كثير من شباب مذهب المورمن الملتزمين، عمل رمني داعية في الخارج لمدة (30) شهراً. وفي وقت لاحق أصبح "أسقفاً" للمذهب في مدينة بوسطن. وبعد أن ترك العمل القيادي في الكنيسة، أصبح معلماً دينيا للشباب، ومشرفاً على برنامج للكنيسة موجه للمراهقين. وبعد أن رشح نفسه للرئاسة اشتكي بعض ممن سبق أن تعاملوا معه خلال خدمته الدينية من تزمته وعدم تسامحه معهم. وحسب التقارير الصحفية فإن رومني ما زال ملتزماً بمذهبه، حيث يدفع 10% من دخله للكنيسة سنوياً، ولا يشرب الكحول أو القهوة أو الشاي، حسب تعليمات المذهب.

ومنذ شهور قليلة فقط، كانت فرص رومني في الفوز بالانتخابات بعيدة ومحدودة، ليس بسبب انتمائه الديني، لأن الناخب الأمريكي لم يعد على ما يبدو مهتماً كثيراً بالانتماءات الدينية أو العرقية، كما رأينا في انتخاب الرئيس أوباما الذي ينحدر من أصول أفريقية إسلامية. بل كان السبب رفض الناخبين المحتملين لسياسات رومني الاقتصادية.

أما اليوم فإن فرص رومني في الفوز أصبحت أوفر بسبب استمرار الكساد الاقتصادي في أمريكا. ففي الربع الأول من عام 2012، كانت ثمة بعض علامات الخروج من الأزمة الاقتصادية، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن إعادة انتخاب الرئيس أوباما في نوفمبر أصبحت أمراً مؤكداً. وكان ثمة بصيص أمل في الخروج من الكساد، نظراً إلى ارتفاع مبيعات السيارات، وأجهزة الكومبيوتر، والسلع المعمرة الأخرى، خلال تلك الفترة. ومع أن معدل النمو الاقتصادي خلال الربع الأول لم يتجاوز 1.9%، إلا أن ثقة المستهلك كانت في تنامٍ، وذلك مؤشر إيجابي مهم.

أما اليوم فإن انتعاش الاقتصاد يبدو متوقفاً، وأصبحت قيادة الرئيس أوباما في المجال الاقتصادي محل تساؤل، مما جعل رومني يجذب اهتمام الناخبين أكثر.

ففي يوم الجمعة (27 يوليو)، أعلنت الحكومة نتائج الربع الثاني التي جاءت مخيبة للآمال، حيث أشارت إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي إلى 1.5% سنوياً، أي أقل مما كان متوقعاً، كما أشارت إلى انخفاض ثقة المستهلكين، وبطء نمو الوظائف والإنتاج الصناعي.

وبالطبع فإنه من الناحية الرسمية فإن الكساد الاقتصادي الذي بدأ في عام 2008 قد أُعلن انتهاؤه في يونيو 2009، ولكن أغلبية الأمريكيين لا يصدّقون ذلك. صحيح أن معدل البطالة قد انخفض من 10% إلى 8.2%، ولكنه يبدو قد توقف لدى هذا المستوى المرتفع. ومع بقاء معدل النمو الاقتصادي أقل من 2%، كما أشرتُ، فإن من الصعب تصور كيف يمكن إيجاد وظائف جديدة تكفي لخفض معدل البطالة بشكل يُرضي الناخبين.

وبذلك أيدت الأرقام التي أعلنتها الحكومة يوم الجمعة تشاؤم محافظ البنك المركزي الأمريكي بن برنانكي، الذي أدلى بشهادته الأسبوع الماضي أمام الكونجرس. فقد حذر من كساد اقتصادي جديد، فيما لم تتوصل الإدارة الأمريكية والكونجرس إلى اتفاق عاجل حول زيادة معدلات الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي.

ولكن في سنة انتخابية مثل هذه، لا يتوقع كثيرون أن يتوصل الساسة في واشنطن إلى اتفاق سريع يمكن أن ينتج عنه أي تحسّن يلمسه المواطن العادي.

وإذا كان الأمر كذلك، فهل ذلك يعني، حقاً، كساداً اقتصادياً جديداً كما توقع برنانكي؟ يبدو أن غالبية الاقتصاديين الأمريكيين يرون أن ذلك المصير هو الاكثر احتمالاً، على الأقل إلى نهاية عام 2012.

وبالطبع فإنه ليس من مصلحة أوباما أن تكون البلد في براثن كساد اقتصادي وقت الانتخابات، وهذا ما يفسّر حماسة وتفاؤل معسكر ميت رومني هذه الأيام.

ومع ذلك فإنه ما زال هناك نحو مئة يوم قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم. مما يجعل من السابق لأوانه التنبؤ بالنتيجة، وما زالت لدى أوباما الكثير من الفرص لكي يحاول تغيير توجهات الاقتصاد الأمريكي السلبية، وإن نجح في ذلك فإنه سينجح في الانتخابات القادمة.