يقول فضيلة الشيخ الدكتور، صالح الفوزان، في تعليقه على الجدل الموسمي حول رؤية الهلال ما بين العين المجردة وبين الفلك ما يلي (وفي هذه الأيام نشرت الصحف أنه تستحيل رؤية الهلال ليلة الجمعة، وهكذا حكموا على المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله، وكم مرة قالوا ذلك وحصل عكس ما يقولون). صحيفة الجزيرة 28 /8 /1433.
ومن الواضح بمكان أن مقصد الشيخ ليس إلا التأكيد على أن كل أمر مستقبلي من علم الغيب هو بيد الله، وهذه مسألة اعتقاد للمؤمن المسلم لا يداخلها شك. الذي نختلف فيه مع صاحب الفضيلة أن الله عز وجل قد استودع أفلاكه ومطالعها حساباً غاية في الدقة المتناهية، ولو تدبرنا وعلمنا لزاد ذلك كل المرائين المشككين إيماناً بعظمة الخالق وحسن تصويره. حسابات الفلك لم تعد من الغيبيات وأخشى أن تكون مثل جملة فضيلة الشيخ لا تزيد إلا شيئاً من الشواهد التي يسردها البعض على جمود العقل المسلم عند ظواهر لا تستدعي الجمود.
والخلاصة أن اقتران علم الفلك بالحساب ليس حكماً ظنياً على مستقبل قد يكون أو لا يكون مثل ما يقول فضيلة الشيخ. رصد الهلال لعقود سنوية قادمة هو حساب ثبوت مثله مثل أن نقول إن الشمس ستغرب اليوم وتشرق غداً، وكلها من نواميس الخالق المذهلة الدقة التي رصدها الإنسان، والخالق جل وعلا هو من استودعه هذا العقل. لم يعد حكماً على المستقبل أن نقول مثلاً إن الشمس ستغرب على مدينة الرياض يوم 26 /9 /2050 عند الساعة الخامسة وست وأربعين دقيقة لأن تلك الحقيقة في علم الفلك أصبحت من الأبجديات التي لا يقف عندها السؤال. وخذ من حسابات الفلك مثالاً نشوء الأعاصير في الكاريبي وخليج المكسيك وقدرة هذا العلم على تأكيد المنشأ والانتهاء زماناً ومكاناً قبل الحركة الأولى لنشأة الإعصار. أكثر من هذا دراسات المناخ الحسابية التي تصل حد الذهول بأن يتنبأ الفلكي في اليوم الشتائي المشمس على شمال الكرة أن تكون في الغد عاصفة ثلجية على النقيض. اقتران علم الفلك بالحساب الراصد وصل اليوم إلى دراسة ظهور المجرات والمذنبات والكواكب في بعض دورات مرورها وظهورها الطارئة إلى حقائق ثابتة ليس أقلها أن العلم يستطيع تحديد الكسوف والخسوف لقرون قادمة بحسابات تصل إلى الثواني المجردة. وكل هذه الأعلام الكبرى في علم الفلك تبرهن أن حسابات رؤية الهلال وتحديد ظهوره الأول إلى لحظة غيابه محاقاً باتت مسألة بدهية بسيطة في علم الفلك، ولم تعد قضية له في المجمل. كل ما أخشاه يا فضيلة الشيخ أن تضع هذا الدين وكأنه يتحدى العلم رغم أنه الدين العظيم الذي دعانا وحثنا عليه.