يحظى السلك الدبلوماسي السعودي بعدد محدود من النجوم الذين كانوا في تمثيلهم الدبلوماسي خارج الوطن يتواصلون عن قرب مع المواطن المغترب للدراسة أو العلاج أو السياحة أو التجارة أو غير ذلك.
ولطالما تلذذ الكهول من المواطنين عادة بذكر محاسن السفير محمد الشبيلي يرحمه الله، وكرمه اللافت وتسخيره السفارة السعودية والعاملين فيها لخدمة المواطن وتيسير أموره وتلبية احتياجاته.
والحال كذلك ينطبق على الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله الذي خلق حضوراً اجتماعياً وثقافياً للسفارة السعودية في لندن إلى جانب تفاعله اللافت مع ما ينشر أو يبث عبر وسائل الإعلام البريطانية مرئية ومقروءة من بعض "الكيديات" أو الأخبار والتقارير المغلوطة التي تستهدف النيل من المملكة.. كما أن الأمير بندر بن سلطان أحد أشهر السفراء السعوديين وقد خلق لنفسه هذا الصيت نتيجة جهده اللافت عندما كان سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة الأميركية، أيضاً هناك الأمير المثقف تركي الفيصل الذي جسد حضوراً جيداً خلال تمثيله المملكة سفيراً في بريطانيا وأيضاً سفيراً في الولايات المتحدة الأميركية، كما يمكنني إضافة اسمين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر قليلاً إلى قوائم السفراء النجوم الذين يمتن لهم المواطن والوطن لعملهم المميز كخدام ورعاة للمواطن عندما يفد إليهم مغترباً بشكل دائم أو مؤقت مثل سفيرنا في ألمانيا سابقاً الأستاذ عباس فائق غزاوي يرحمه الله، والسفراء ناصر المنقور رحمه الله الذي كان سفيراً للمملكة في أكثر من موقع، بداية باليابان ومعتمداً لدى الصين وكوريا الجنوبية، ثم سفيراً في السويد ومعتمداً لدى النرويج والدانمرك، وسفيراً لدى إسبانيا ومعتمداً لدى البرتغال ثم سفيراً لدى بريطانيا ومعتمداً لدى إيرلندا.
إن مجرد أن يعدد المواطن أسماء عدد محدود من السفراء لهو في الواقع ملمح سلبي تجاه ممثليات المملكة في الخارج لدولة لها أهميتها الإسلامية والاقتصادية والعربية والدولية، ولها ممثلياتها وسفاراتها في أكثر من مئة دولة، ومع ذلك تترك عنها هذا الانطباع غير الإيجابي خاصة إذا تسنى للمواطن السعودي في الخارج المقارنة بين خدمة سفاراتنا وعمل وخدمة سفارات الدول الأخرى وما يقدمونه من إخلاص وتفانٍ في حق مواطنيهم.. بل إن هذه النظرة السلبية لدى المواطن هي التي خلقت عنده حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث أو التواصل مع سفارات الوطن في الخارج، وعدم تسجيل زيارات شخصية لها، وهذا ملاحظ وملموس بنسبة كبيرة لدى قوافل السياح السعوديين الذين يجوبون أقطار العالم وفجاجها في كل الفصول وكل الإجازات.
إن الحديث عن سفاراتنا في الخارج مدعاة لبث شيء من الهموم التي ينوء كاهل المواطنين بحملها، مع ما انطبع في ذهن المواطن تجاه هذه الممثليات ورعايتها المحدودة للمواطن.. وأحسب أن عدم الرضا كان واضحاً من خلال تشديد خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله على السفراء السعوديين المعتمدين في الخارج لأكثر من مرة بالاهتمام بخدمة المواطن وإيلائه الرعاية المطلوبة وخدمته في كل متطلباته كيفما كان السبب من مجيئه وتغربه خارج البلاد.
ولأن السفارات في الخارج قطعة من الوطن وممثليها هم أولياء أمر المواطن المتغرب لحاجة من حوائج الدنيا فمن حقه في هذه الغربة القسرية أو الاختيارية أن يأنس ويأمن بوائق تلك الأماكن، وأظن أن من الإنصاف الإشارة إلى أن أداء سفاراتنا قد تطور للأحسن في السنوات القريبة الماضية، لكن ما زال الانطباع الشعبي سلبياً، ولهذا فإن على سفاراتنا في الدول الأكثر استهدافاً بالزيارة من قبل المواطنين أن تعمد إلى استفتاء الناس عبر استبانة تقدم لهم في الأسواق والمقاهي والمصحات العلاجية التي يرتادونها، ويتم تعرف السفارات والقنصليات من المواطن مباشرة على انطباعاته عن أداء السفارة وتواصلها.. وما هي المآخذ والسلبيات، وماذا يريد المواطن.. وإلى ماذا يتطلع.. وما إلى ذلك من الأسئلة الاستكشافية.
وبهكذا طريقة ربما يمكننا تجسير الهوة بين أفواج المواطنين المسافرين وممثليهم في خارج الوطن.