عامان عدّاً، غابهما المذيع فهد السعوي عن الشاشة، لم تكن أسباب الغياب معلنة، لكن كان يمكن تخمينها، فهو الذي رافق الشيخ الدكتور سلمان العودة ستة أعوام في برنامجين مباشرين (الحياة كلمة) أسبوعي، و(حجر الزاوية) رمضاني، وكان وارداً أن يتوقف عن الظهور طالما أن الشيخ توقف، إذ شكلا معاً ثنائياً تلفزيونياً مميزا، بل إن أرقام مشاهدة برنامجيهما جاوزت الحد المتوقع، وظلت في صعود عاما تلو الآخر، حتى حانت ساعة التوقف.
هذان العامان من الغياب، كان من الضروري أن يستوعب فيهما السعوي، أن الخطوة التالية، ستكون منوطة به هو وحده، وستكون الكعكة كلها من نصيبه، وأن عليه أن يختار ملعبه بعناية، وأن يضع خطة الفوز المناسبة، لأن الخسارة في توقيت كهذا هي أشبه بطعنة في الخاصرة حتى وإن نجا صاحبها من الموت!
ولأنه كان يعلم ذلك جيداً، عاد بالهندام نفسه، وبالبراعة ذاتها، لكن صار أكثر جرأة، وتحول من منطقة الحوار الناعم، إلى منطقة الحوار المشاكس، وبدلاً من أن يفتح ذراعيه لضيف واحد ومواضيع شتى، أصبح مجلسه التلفزيوني متاحاً لـ 60 ضيفا، وعناوين تمسّ الممنوع بل وتطيل المسّ.
في برنامجه الرمضاني الجديد "للحوار بقية"، يُفصح السعوي عن وجه تلفزيوني آخر، صحيح أنه وجه هادئ، لكنه بملامح حاسمة، كان يبحث عن إجابات تحاول جر الحل أو جزء منه إلى حلبة الصراع، وتضع الخصمين في صندوق واحد، علهما يجدان ما يتفقان عليه، ويكون مفتاحاً لنقاط التقاء متوافرة بينهما لكن حدّة النقاش تزيحها من فوق الطاولة، وإن كان للسعوي أجر الاجتهاد في ذلك، فإن له الأجر كله في تقديم وجوه شبابية جديدة، تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي منصات لها، كانت فكرة ذكية وجديدة، خصوصاً وهي لا تركب مطية الإثارة، ولا تراوغ وتناور وإنما تحاور ابتغاء الحل أو بعضاً منه.
عامان عدّاً، غابهما المذيع فهد السعوي عن الشاشة، لكنه عاد ليقول: غبت "طويلاً" لأنني أكره أن يكون حضوري "قزماً"!.. وغياب السعوي "الطويل" الذي انتهى ببرنامج حواري "قصير" جداً لم يسعفه غالباً في إدراك القول كله، كان الضار النافع له ولمعشر المشاهدين وللعشرين دقيقة التي فاقت في أهميتها ساعات طوالا استنفدتها برامج أخرى في هباء منثور.