بدهشة كبيرة تابع الكثير من المهمومين بشأن عالمهم البسيط، افتتاح أولمبياد لندن، وإن كان البعض من البسطاء لم يكن مهتما إلا بأن يرى ما إذا كانت مشاركة المرأة السعودية بحجاب أو دون حجاب؟ هل كانت في المقدمة أو في الصف الخلفي؟ فيما الذي يحدث هناك كان أكبر من كل تفاصيلنا الصغيرة. إننا اليوم لسنا عقول الأمس، أصبحنا نرى ونسمع ونستشرف الحقيقة أو هكذا يجب أن نكون. إننا نعيش في عالم جديد أصبحت فيه المعايير كلها عالمية ومتغيرة ومؤدلجة، ولهذا كان جزء منا يمثلنا موجودا هناك حيث تم جمع كل الأجناس البشرية وكل الأديان والأطياف، وكأن لندن تحولت فجأة إلى "بابل جديدة". إلى هنا يكون العالم وضع نقطة وبدأ بفتح صفحة العالم الجديد وسيكون عهد أمر العالم الجديد: New World Order واقعاً وإن كان حقيقة موجودة منذ مدة طويلة، وتحدث عنه مسؤولون أميركيون علنا.
ما شاهدناه من رسم للصفحة الأولى من العالم الجديد في أولمبياد لندن كان تدشينا فعليا لبداية عهد جديد لعالم جديد، وقد بذلوا جهدا تنظيما جبارا ومدهشا في أن تصلنا الفكرة والرسالة الضمنية لكل ما قدم من خلال كل الرسائل البصرية المخفية في عرض الأولمبياد للاحتفال ليس بالألعاب الرياضية وحسب بل الاحتفال الكبير بنظام عالمي جديد، والذي يبشرون بقدومه عبر ظهور الطفل الذي ولد بعد ظهور الكائن ذي العباءة السوداء في منتصف عرض الافتتاح.
في الوقت نفسه ونحن نشاهد العالم الجديد لا نجد في أنفسنا حرجا من كوننا ما زلنا نناقش فكرة المدينة الفاضلة ونسعى لها، فيما تغيرت موازين القوى العالمية والمدن والبشر والتفاصيل. كلنا أحببنا وناضلنا وسعينا أن نخلق المدينة الفاضلة، ومثلنا جاء الفارابي منافحا ومؤمنا بتلك المدينة الفاضلة ولكنها ظلت مجرد مدينة خيالية حتى يومنا هذا. يومنا الذي لم تعد للمدن الفاضلة فيه أي أهمية لأنها أصبحت صغيرة وهامشية أكثر مما ينبغي مقابل عالم كبير نهض بسرعة متجاوزا الزمن ومتجاوزا كل طوباوية الأعراب.
متى سأستيقظ، متى سأبدأ في التفكير، ما الذي يحدث؟ هذا شعار يتبناه القائمون على سلسلة مشروع "استيقظوا" وهو مشروع واع يعمل على بث الوعي من خلال سلسلة من الأفلام الوثائقية القصيرة التي تتنوع في طرحها عن كل ما يتعلق بالماضي والحاضر والعالم الجديد، قيمتها تكمن في فكرتها وانتمائها لمبدأ "استيقظوا" وبما أننا هنا لنقول شيئا عن العالم الجديد والاستيقاظ الحقيقي سيكون من الجميل الاستشهاد بمقطع صغير ومؤثر من الفيلم الشهير "ماتركس" وهو مشهد يجمع بين بطلي الفيلم يقول له فيه: "لماذا أنت هنا؟ أنت هنا لأنك تعرف شيئاً ولكنك عاجز عن تفسيره رغم أنك تشعر به بداخلك، هناك شيء ما خطأ، أنت لا تعرفه لكنك تعلم أنه موجود، وهو ما يجعلك تشعر أنك على حافة الجنون، لهذا السبب أنت هنا ثم أكمل: "أنت أسير سجن تشعر به لكنك لا تراه، لا تلمسه، لا تتذوقه لأنه ببساطة يكمن بداخل عقلك". "الفرصة الأخيرة التي أمنحها لك، تأخذ الحبة الزرقاء، فتؤمن بما تريد أن تؤمن به، أو الحبة الحمراء فتجد نفسك في بلاد العجائب".