لدينا في العالم العربي طريقتنا الغريبة وربما المضحكة أحيانا في التباهي بالإنجازات والتي نرى أنها عظيمة، وهي طريقة أوقعتني منذ الصغر في كثير من الحرج عندما كنت أحاول أن أستعرض أمام بعض الأصدقاء الأجانب بعض إنجازاتنا في السعودية وفي العالم العربي والتي في غالبها كان إمّا من خلال اجترار الماضي أو من خلال الاستشهاد بشواهد لا تثبت إطلاقا أن بنا تميزا إلا إذا كانت المقارنة بين العرب.
تناقلت وسائل الإعلام العربية خلال الأيام الماضية، وكذلك المغردون، خبر تجاوز الشيخ محمد العريفي حاجز المليون متابع في ذلك الموقع الاجتماعي المثير للجدل، والمنصة الأكثر إدمانا من بين المسيّسين والناشطين والمتابعين الـ"مطفّين النور" وقورن ذلك الرقم الكبير عربيا وخليجيا بمنافسي الشيخ في المنطقة من دعاة وكتاب ورياضين، وكتبت مقالات تحلل الإنجاز وأخرى تدافع عن الشيخ وثالثة تحاول أن تشكك في التأثير وهلم جرا.
الملكة رانية العبدالله التي تتربع على رأس القائمة تتجاوز الشيخ العريفي بعشرة آلاف متابع تقريبا، في حين استولى المشائخ الأجلاء والدعاة الجدد المراكز الأولى في القائمة بأرقام دون المليونين بكثير، كل ذلك والأعين والأقلام والعقول تحلل وتربط الأرقام بقدرتها على إحداث التأثير في الشارع، وتتغنى بالإنجاز الرقمي الذي توهم الكثيرون أنه مميز.
في الثمانينات الميلادية كان يسألني بعض الأصدقاء الأجانب عما حققته منتخباتنا العربية في كرة القدم، وكنت حينها أزهو بتحقيق السعودية لكأس آسيا وأخجل في ذات الوقت من سؤاله الإلحاقي والقائل: فلماذا لم تتأهلوا أبدا لكأس العالم"؟ وبين الزهو المغتر البسيط والقيمة الحقيقية للإنجاز المعترف به دوليا كان دائما يقع الخلط في ذهني المشوش، فهل سنحقق في يوم إنجازا حقيقيا يمكن لنا أن نفخر ونزهو به دون تفضل أو مجاملة من بين الأمم الكروية.
لا أفضل المقارنات ولكن المقارنات تبقى الوسيلة التي بها تتضح المفارقات، ولا يعني بالضرورة تفضيل أحدهم على الآخر ولكن لمجرد إيضاح الصورة لنحكم كأفراد ذوي عقول بالقيمة الحقيقية لما نزهو به، فقد تسيدت المغنية الأميركية (ليدي غاغا) قائمة متابعي "تويتر" عالميا بـ27،4 مليون، يليها المغني المراهق (جستن بيبر) بـ 25،5 مليون متابع في حين يحل الرئيس الأميركي (أوباما) سادسا بـ17،7 مليون متابع، ويبلغ عدد متابعي الزعيم البوذي (الدالاي لاما) 4،7 ملايين متابع والرئيس الفنزويلي (هوغو تشافيز) 3،2 ملايين متابع.
لست هنا أقلل من رقم المليوني متابع، ولكني أدعو ألا ننظر للأمور كما كنت أراها أنا في الثمانينات، فلم نعد جزرا منفصلة عن العالم وشعوبا غير مندمجة، وليكن طموحنا في عالم الإنترنت أن ننافس العالم على الأقل بالأرقام، وأن نتوقف عن الاستعراض على بعضنا وكأن العالم ليس فيه إلا نحن.