تتحول حياتنا لسرب من الملل حتى يتم تجديدها بين الفينة والأخرى، وتطير هذه التجديدات كلما حلّ موسم هجرة جديد حاملا معه الكثير من طيور التجديد المهاجرة.. ورغم هذا التغيير إلا أن بعض هذه الطيور تستوطن بنا، وتصبح جزءاً مناّ، رغماً عنّا.. بشرط أن تتحقق معادلة التعايش.. وتوقع بنود الوئام.
قبل عقدين، وفي زمن استعمر بالتطرف والتشدد.. جاءت طيور "طاش" كمهاجرات غريبات الحضور، وحديثات المظهر، وبتغريد درامي مختلف، يخاطب كل اللغات.. سارت عجلة الأيام بلمحة سريعة، وتحولت البدايات لنضوج، والهواية لاحترافية، ولم يعد الغريب كذلك.. كبرنا، وكبرت "طاش" معنا.. وبنا، وبدواخلنا أكثر.. فمعها عشنا كل منعطفات التغيير، وشتى ألوان النقد، ومختلف آليات الظهور الإيجابي برغم كل ما يحيطه من سلبيات.. صفقوا له تارة، وكفروه تارات، ووقفوا على الحياد أوقاتا قليلة!
ومن جديد، عاد الغريب لغربته، وهربت تلك الطيور لتحلق مجدداً بعد عشرين خريفاً من المكوث، تاركة "أعشاشاً" مبنية بنا، وبصمات لا ترضَى أن تغادرنا، ولحظات تشهد على محطات جميلة من حياتنا..
بالمناسبة، لا أتحدث عن "طاش" المسلسل! فقد تجاوزنا هذا الحديث ـ المليئ باللغط ـ منذ زمن طويل، ولكني أحدثكم اليوم عن (الثقافة الطاشية) التي كانت قطعة حلوى في سفراتنا الرمضانية.. تلك الشخصيات التي بتنا نحاكيها دوماً، والمفردات المشاركة في يومياتنا البسيطة، وثقافة النقد التي منحتنا الجرأة، وبسمة زخرفت في وجوهنا رغماً عن كل المنغصات.. وأشياء أخرى أكثر عمقاً وعتباً!
وغابت "طاش"، وبقي يقتفي أثرها سؤال يتيم: لماذا لم تعد هناك "طاش"؟ ليفتح شهية التكهنات والتساؤلات، ويحضر بعضاً من أطباق التشفي، ويرمي بالسبب على بعض الثانويات من الأشياء.. بينما تكمن الحقيقة في أن الطيور اعتادت على العيش في الفضاء، لتحلق عالياً دون أن تصطدم بأسقف! والسلام.