رغم النقاش الثقافي والاجتماعي الهائل، مازال مسلسل – عمر – رضي الله عنه وأرضاه يحتل المساحة الأولى في نسبة المشاهدين مثلما هو أيضاً حديث المجالس كأول الكبار الأربعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تجسد في شخصية تلفزيونية. وموقفي الشخصي هو الرفض، مع العلم أن المسألة في الحكم ستكون في المعادلة: هل سيرسخ العمل التلفزيوني مزيداً من جوانب الشخصية التي عشت وهي لي في منزلة هائلة، أم إنه سيجعلها أقرب للطبيعية وأنا أشاهدها حية ولو بالتمثيل فتقل روعة الانبهار لا لخلل في الشخصية وإنما لضعف في العمل؟
والمؤكد أنني خارج دائرة القطع بالرأي، فذلك متروك لاجتهادات العلماء من الراسخين الذين سيعطون رأيهم في المسألة. لا يوجد نص قطعي بالجواز أو التحريم. الذي أجاز النصوص التلفزيونية لكل الحلقات علماء لهم باع طويل في الفتوى، والذين وقفوا ضد الفكرة أيضاً هم علماء لا يقلون عنهم أهمية. سأحلق اليوم إلى جناح مختلف حول الفكرة. فعلى المقطع التسجيلي الصغير من ذات المسلسل، احتجت (للتجريب) إلى ثماني صفحات لتفريغ مجرد خمس دقائق من (سيناريو) المسلسل نفسه. هذا يعني بالتقريب أننا نحتاج إلى سبعين صفحة من التاريخ لكتابة حلقة واحدة. وبزعمي أن هذه المقاربة الإحصائية هي ما جعلنا في اضطراب تام حول الحقائق التاريخية. لدينا آلاف الصفحات من حوادث تاريخنا نفسه التي ضخمت دون دليل على وقوعها، فالذي سيستمع إلى هذا المسلسل، مثله مثل الذي يقرأ سواد بطون جل كتب التاريخ والتراث لابد أن يسأل عن هذه الإضافات الهائلة في حياة هؤلاء على مر العصور حتى وصلنا إلى أن أصبح تاريخنا (كتابا حولناه إلى مكتبة). لاحظوا أصلاً أننا أصحاب ثقافة شفهية ومع الشفاهة يصعب النقل. المسلسل نفسه سيتحول مع الزمن إلى وثيقة تاريخية رغم أن كاتبه، بلاشك، كان في أحيان كثيرة يريد ملء الفراغ وكثير من فراغنا حول إلى مساحة هندسية أصبحت معها قصص شاردة وصغيرة جواهر اختلاف ونقاش، وفي أحيان كثيرة اختلاق لقصص وحوادث لم تقع في الأصل. ولعله لهذا لا تجد في تاريخنا قصة واحدة إلا ولها وجهان متناقضان وآلاف القصص بلا وجه في الأصل وبلا إثبات حضور سوى الرغبة في تدوين ما لم يكن حقيقياً في الأصل.